للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفسير سورة الناس [مكية]]

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}

{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ (١) مَلِكِ النّاسِ (٢) إِلهِ النّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنّاسِ (٦)}

فإن قلت: لم قيل {بِرَبِّ النّاسِ} مضافا إليهم خاصة؟ قلت: لأن الاستعاذة وقعت من شر الوسواس في صدور الناس، فكأنه قيل: أعوذ من شر الوسواس إلى الناس بربهم الذي يملك عليهم أمورهم، وهو إلههم ومعبودهم، كما يستغيث بعض الموالي إذا دهمه خطب بسيده. فإن قلت: ما موقع {مَلِكِ النّاسِ} {إِلهِ النّاسِ؟} قلت: هو عطف بيان لرب الناس كقولك: اذكر عمر أبا حفص الفاروق.

بين ب‍ "ملك الناس" ثم زيد بيانا ب‍ "إله الناس"؛ لأنه قد يقال لغير رب الناس؛ كقوله: {اِتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ} (١) وقد يقال: ملك الناس، فقد يطلق على الآدميين، وأما إله الناس، فلا ينطلق إلى على الله وحده. وإنما كرر الناس مع أن الفهم كاف بإثباته في الأول، فلو قال أعوذ برب الناس ملكهم إلههم. وإنما جاء مكررا؛ لأن عطف البيان للبيان، فكان مظنة للإظهار دون الإضمار.

{الْوَسْواسِ} اسم بمعنى الوسوسة؛ كالزلزال بمعنى الزلزلة، وأما المصدر فوسواس (٣٥١ /ب) بالكسر - كزلزال، والمراد به: الشيطان، سمي بالمصدر، كأنه وسوسة في نفسه الخفي، ومنه: وسواس الحلي.

{الْخَنّاسِ} الذي عادته أن يخنس منسوب إلى الخنوس إذا ذكر الإنسان ربه خنس؛ أي:

تأخر، وإذا غفل وسوس. {الَّذِي يُوَسْوِسُ} يجوز في محله الحركات الثلاث، فالجر على الصفة، والرفع والنصب على الشتم، ويحسن أن يقف القارئ على الخناس (٢) على أن الشيطان ضربان: إنسي وجني.

وقيل: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنّاسِ} بيان والناس ينطلق على الإنسي والجني. وقيل: الذي


(١) سورة التوبة، الآية (٣١).
(٢) هذا قول الزمخشري في الكشاف (٤/ ٨٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>