للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[سورة السجدة [مكية]]

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}

{الم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣) اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (٤)}

{الم} على أنها اسم للسورة مبتدأ، و {تَنْزِيلُ الْكِتابِ} خبره، وإن جعلته تعديدا للحروف ارتفع {تَنْزِيلُ الْكِتابِ} بأنه خبر مبتدأ محذوف، أو: هو مبتدأ خبره {لا رَيْبَ فِيهِ} والوجه أن يرتفع {الم} بالابتداء، وخبره: {مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ} و {لا رَيْبَ فِيهِ} جملة معترضة، والضمير في {فِيهِ} راجع إلى مضمون الجملة، أي: في كونه منزلا من ربّ العالمين. أثبت أولا أنه منزل من رب العالمين، وأنه لا ريب فيه ولا شك، ثم انتقل إلى تقريعهم على ما يعتقدونه من أنه مفترى.

فإن قلت: نفى أن يكون مرتابا فيه، وأثبت ما هو أشد من ذلك؛ أن يكون مفترى؟

قلت: إنما نفى الريب لأن القرآن معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم وإذا (١٨٥ /ب) انتفى الريب عن المعجزة صحّ الإسلام، ولا شيء أنفع من صحته، وأما قوله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ} فهو إما قول متجاهل يعلم أن الأمر بخلاف ذلك، أو معاند مكابر لا غيره يقوله؛ فكان الأول أهم. {لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ؛} كقوله: {لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ} (١).

فإن قلت: فإذا لم يأتهم نذير لم تقم عليهم حجة؟ قلت: أما معرفة الله تعالى ووحدانيته وعلمه وقدرته فهو ثابت بأدلة العقل، وأما ما سوى ذلك فلا.

{لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} فيه وجهان: أحدهما: أن يكون على ترجية النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما كان قوله: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً} (٢) على ترجية موسى وهارون. والثاني: أن يستعار الترجي للإرادة؛ أي: إرادة أن تهتدوا، وهو بعيد؛ لأنه لو أراد أن يهتدوا لاهتدوا.


(١) سورة يس، الآية (٦).
(٢) سورة طه، الآية (٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>