للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قيل: إن "لا" في قوله: {وَلا شَفِيعٍ} زائدة، وليس كذلك؛ فإنه لو قال: ما لكم من دونه من ولي وشفيع. انتفى مجموع الأمرين، فإذا وجد الشفيع دون الولي أو بالعكس لم يناقض ذلك. أي: فبطل فكركم الصحيح فلا تتذكرون، أي: من قدر على خلق الأعلى الأعظم وهو السماوات والأرض فهو على ما سواهما أقدر؛ {لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النّاسِ} (١). {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ} الآيات (٢).

{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ (٥)}

{الْأَمْرَ} المأمور به من الطاعات، ينزله مدبرا من السماء إلى الأرض، ثم لا يعمل به ولا يصعد إليه ذلك المأمور كما يرتضيه إلا في مدة متطاولة؛ لقلة عمال الله المخلصين، وقلة الأعمال الصاعدة؛ لأنه لا يوصف بالصعود إلا الخالص، دل عليه قوله على أثره:

{قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ} أو يدبر أمر الدنيا كلها من السماء إلى الأرض لكل يوم من أيام الدنيا وهو ألف سنة؛ كما قال: {وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ} (٣). {ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} أي: يصير إليه، ويثبت عنده، ويكتب في صحف ملائكته كل وقت من أوقات هذه المدة ما يرتفع من ذلك الأمر، ويدخل تحت الوجود إلى أن تبلغ المدة آخرها ثم يدبر - أيضا - ليوم آخر وهلمّ جرّا إلى أن تقوم الساعة. وقيل: ينزل الوحي مع جبريل من السماء إلى الأرض ثم يرجع إليه ما كان من قبول الوحي أو ردّه مع جبريل، وذلك في وقت هو في الحقيقة ألف سنة؛ لأن المسافة في الصعود والنزول مقدار ألف سنة؛ لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة، وهو يوم من أيامكم لسرعة جبريل (١٨٦ /أ) عليه السلام؛ لأنه يقطع مسيرة ألف سنة في يوم واحد. وقيل: يدبر أمر الدنيا من السماء إلى الأرض إلى أن تقوم الساعة، ثم يعرج إليه ذلك الأمر كله ليحكم فيه {فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} وهو يوم القيامة، وقال في موضع آخر {خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} (٤). فعن ابن عباس: "هذه سنون لا أدري ما هي" (٥).وقيل: {خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} تقدير عروج الملائكة من العرش إلى الأرض وعكسه مسافة يقطعها الراكب المجد في خمسين ألف سنة،


(١) سورة غافر، الآية (٥٧).
(٢) سورة النازعات، الآية (٢٧).
(٣) سورة الحج، الآية (٤٧).
(٤) سورة المعارج، الآية (٤).
(٥) رواه الطبري في التفسير (٢٩/ ٧٢)، ونسبه السيوطي في الدر المنثور (٦/ ٥٣٧ - ٥٣٨) -

<<  <  ج: ص:  >  >>