كان المشركون من أهل الكتاب، وعبدة الأوثان يقولون قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم: لا ننفك عن ديننا حتى مبعث النبي الموعود بذكره في التوراة والإنجيل. فحكى الله ما كانوا يقولونه ثم قال:{وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ} يعني أنهم كانوا يعدون اجتماع الكلمة على الحق، وأنه متى بعث النبي صدقوه وآمنوا به، و {رَسُولٌ} بدل من البينة، و {الْبَيِّنَةُ} الحجة. {صُحُفاً} قراطيس مطهرة من الباطل.
{فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} مكتوبات قيمة بمصالح العباد في الدنيا والآخرة. فإن قلت: لم جمع أهل الكتاب والمشركين أولا، ثم قال:{وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ،} فأفردهم؟
قلت: أهل الكتاب كانوا عالمين بأن النبي المبعوث آخر الزمان آت لا محالة، فإذا وصفوا بالتفرق عنه كان من لا كتاب له أدخل في هذا الوصف.
{وَما أُمِرُوا} في التوراة والإنجيل إلا بالدين الحنيفي، ولكنهم حرفوا وبدلوا.
{وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} أي: دين الله القيمة، ومعنى {إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ} أي: وما أمروا بالعبادة والطاعة إلا ليعبدوا الله. {الْبَرِيَّةِ} بالتشديد من غير همز (١). قيل: لأنهم خلقوا من
(١) قرأ نافع وابن عامر من رواية ابن ذكوان: "شر البريئة" و "خير البريئة" مهموزتين، وقرأ الباقون "البرية" بلا همز مع تشديد اليائين. تنظر في: الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ٥٥٢)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٦٩٣)، الكشاف للزمخشري (٤/ ٧٨٢ - ٧٨٣).