للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفسير سورة الإنسان [مكية]]

{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}

{هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (١) إِنّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (٢) إِنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمّا شاكِراً وَإِمّا كَفُوراً (٣) إِنّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً (٤)}

{هَلْ} بمعنى: قد في الاستفهام خاصة. والأصل: أهل؛ بدليل قوله [من البسيط]:

... أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم (١)

فالمعنى: قد أتى، على التقدير والتقريب جميعا. {لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} أي: بل كان شيئا منسيا. والمراد بالإنسان: الجنس؛ لقوله: {إِنّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ،} وقوله: {لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} موضعه نصب على الحال، كأنه قيل: أتى عليه حين من الدهر غير مذكور، أو الرفع على الوصف ل‍ "حين"؛ كقوله: {وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ} (٢). وقرئت عند إنسان فقال: ليتها تمت، أي: ليتها بقيت على تلك الحال منسية.

قوله: {مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ} كقوله: برمة أعشار، وبرد أخلاق، ومشجة ومزجة بمعنى، معناه: أنه قد خلق من نطفة امتزج فيها الماءان ماء الرجل وماء المرأة.

وعن ابن مسعود: هي عروق النطفة (٣). وقيل: ألوان وأطوار: نطفة ثم علقة ثم مضغة {نَبْتَلِيهِ} في موضع الحال أي: خلقناه مبتلين له أي: مقدرين له الابتلاء كقولك:

مررت برجل معه صقر (٣٢٤ /أ) صائدا به غدا. أو يريد: ناقلين له من حال إلى حال.

وقيل: فيه تقديم وتأخير، تقديره: فجعلناه سميعا بصيرا لنبتليه وهو من التعسف (٤).

وشاكرا وكفورا: حالان من الهاء في "هديناه". ويجوز أن يكونا حالين من السبيل أي:


(١) عجز بيت وصدره:
سائل فوارس يربوع لحلته ... ينظر في: الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ٤٣٦)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٣٤٢) ويروى الشطر الثاني: أهل رأونا بوادي النت ذي الأكم.
(٢) سورة لقمان، الآية (٣٣).
(٣) رواه الطبري في تفسيره (٢٩/ ٢٠٥).
(٤) هذا قول الزمخشري في الكشاف (٤/ ٦٦٦) وقال السمين الحلبي في الدر المصون (٦/ ٤٣٨): وهذا لا حاجة إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>