للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عرفناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا؛ كقوله: {وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ} (١). ووصف السبيل بالشكر والكفر مجاز. ولما ذكر الفريقين أتبعهما الوعد والوعيد.

{سَلاسِلَ} قرئ بالتنوين (٢) وفيه وجهان: أحدهما: أن يكون التنوين بدل حرف الإطلاق ويجري الوصل مجرى الوقف. والثاني: أن يكون صاحب الرواية ممن ضرى برواية الشعر وفيه صرف ما لا ينصرف (٣).

{إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (٥) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (٦) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (٧) وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (٨)}

{الْأَبْرارَ} جمع بر أو بار وهم الذين لا يؤذون الذرّ (٤). الكأس: الزجاجة إذا كان فيها خمر، وتسمى الخمر نفسها كأسا. {كافُوراً} اسم عين في الجنة ماؤها في بياض الكافور ورائحته وبرده.

وقيل: يمزج لهم بالكافور ويختم لهم بالمسك. وقيل: يخلق فيها رائحة الكافور وبرده فكأنها مزجت به. و {عَيْناً} على هذا القول بدل من محل {مِنْ كَأْسٍ} على تقدير حذف مضاف، كأنه قيل: يشربون خمر عين أو نصب على الاختصاص. وأتى في الأول ب‍ "من"؛ لأن الكأس أول شربهم، فلذلك قيل: {يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ} وعداها بالباء في الثاني {يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ} فمعناه: يشربون الخمر بالماء كقولك: "شربت الماء بالعسل".


(١) سورة البلد، الآية (١٠).
(٢) قرأ بالتنوين نافع والكسائي وهشام وشعبة وأبو جعفر وصلا، وبإبداله ألفا وقفا. تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٨/ ٣٩٤)، الحجة لابن خالويه (ص: ٣٥٨)، الحجة لأبي زرعة (ص: ٧٣٧)، الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ٤٣٩)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٦٦٣)، الكشاف للزمخشري (٤/ ٦٦٧)، النشر لابن الجزري (٢/ ٣٩٤).
(٣) هذا قول الزمخشري في الكشاف (٤/ ٦٦٧) وقال السمين الحلبي في الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ٤٣٩) معقبا: وفي هذه العبارة فظاظة وغلظة لا سيما على مشيخة الإسلام وأئمة العلماء الأعلام وقرئ بها أيضا، ووقوف هؤلاء بالألف ظاهر ".
(٤) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (٣/ ٨٤٦)، ونسبه له السيوطي في الدر المنثور (٢/ ٤١٥) عن الحسن رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>