للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{تَعْتَذِرُوا} إما لأجل أنهم لا عذر لهم، أو لأنهم لا يقبل منهم الاعتذار. {تَوْبَةً نَصُوحاً} هو من الإسناد المجازي، وإنما النصوح التائب ينصح نفسه بتوبة لا غش فيها، وعبر المتقدمون عن ذلك: ألا يعودوا إلى الذنب؛ كما لا يعود اللبن إلى الضرع، وهذا مبالغة ومن تاب توبة مخلصة فقبلت منه، ثم وقع في الذنب مرة أخرى لم تبطل تلك التوبة، ويستأنف العمل في المستقبل.

{يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ} ومن دخل النار فقد أخزي بنص القرآن {نُورُهُمْ يَسْعى} على الصراط. {يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا} يقولونه وهم على الصراط، وقد شرح في سورة الحديد (١). {جاهِدِ الْكُفّارَ} بالسيف {وَالْمُنْفِقِينَ} بالحجة، واستعمل الغلظة والخشونة في الجهاد السيف والحجة.

{ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النّارَ مَعَ الدّاخِلِينَ (١٠) وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ (١١) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (١٢)}

شبه الكفار في انقطاع التواصل بينهم وبين المؤمنين بامرأة نوح وامرأة لوط؛ لم ينفعهما مواصلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشبه انتفاع المؤمنين بوصلة الإيمان وإن كانوا متقاطعين في الدنيا بامرأة فرعون لم يضرها طغيانه وكفره. وذكر امرأة لم يكن لها وصلة إلى مؤمن ولا كافر فعملت صالحا؛ فجوزيت عليه أحسن الجزاء ب‍ {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها} فأمر الله جبريل فنفخ فيها من روحه (٣٠٦ /أ).

{وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ} ولم يقل من القانتات؛ كقوله: {إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ} (٢) أي: من القوم القانتين انقسموا إلى ذكور وإناث، وهذا التمثيل بامرأة نوح وامرأة لوط تعريض بما جرى من عائشة وحفصة في أمر العسل، أو في أمر مارية.

***


(١) عند تفسير الآية (١٢).
(٢) سورة يوسف، الآية (٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>