للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: {فَلَمّا نَبَّأَتْ بِهِ} أي: حفصة وعائشة {وَأَظْهَرَهُ اللهُ} أي: أطلعه عليه. {عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} عتبها على أمر مارية وتحريمها، ولم يذكر حديث خلافة الشيخين (١).

وعن الحسن: ما استقصى كريم قط في العتاب؛ بل يترك بعض ما يعتب عليه؛ حتى يقول السامع: ما علم بذلك، وهو من أكمل محاسن الأخلاق (٢). وقيل: إنما ترك حديث ولاية الشيخين؛ لأنه خشي أن يكثر فيه القال والقيل؛ فقطع الحديث كيلا يكثر. {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ} لا تعطف الكاف في" أهليكم "على الواو في" قوا "؛ لأن الواو في" قوا " ضمير فاعل مرفوع، والكاف في" أهليكم "مجرور بإضافة الأهل إليها فهي في موضع جر، ولا يعطف المجرور على المرفوع. وتقدير هذا الكلام: قوا أنفسكم، وليق أهلوكم أنفسهم من النار (٣). قوله: (٣٠٥ /ب) {وَالْحِجارَةُ} قيل: إنها حجارة الكبريت؛ لشدة حرها واشتعالها، والمشهور أنها هذه الحجارة المعروفة.

وقيل: الأصنام؛ لقوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} (٤)

قوله: {لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ} مثل قوله: {وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ} فما فائدة التكرار؟ قلت:

الجملة الأولى تدل على أنهم يفعلون ما يأمرهم الله به، ويبادرون إلى قبوله، ومعنى الثانية:

حصول فعل ما أمروا به، فهما جملتان مختلفتان.

قوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} افتتح الخطاب مع المؤمنين، ثم نقله إلى الكفار، وقد قال تعالى في سورة البقرة: {وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ} (٥) فجعلها مخصوصة بهم، وفيه وجوه: أحدها: المراد من آمن بلسانه ولم يؤمن قلبه.

والثاني: يحذر من الردة والعود إلى مساكنة الكفار. والثالث: أن دركات النار متفاوتة ويشمل الجميع اسم جهنم؛ فهم مساكنون للكفار وإن اختلفت طبقاتهم. قوله: {لا}


(١) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٦/ ٣٧٠) ونسبه لأبي نعيم في فضائل الصحابة عن الضحاك ولابن أبي حاتم عن مجاهد.
(٢) نسبه السيوطي في الدر المنثور (٨/ ٢١٩) لابن مردويه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(٣) قال الزمخشري في الكشاف (٤/ ٥٦٨):" وقرئ "وأهلوكم"، عطفا على واو "قوا" وحسن العطف للفاصل فإن قلت: أليس التقدير: قوا أنفسكم وليق أهلوكم أنفسهم؟ قلت: لا، ولكن المعطوف مقارن في التقدير للواو وأنفسكم واقع بعده، فكأنه قيل: قوا أنتم وأهلوكم أنفسكم ".
(٤) سورة الأنبياء، الآية (٩٨).
(٥) الآية (٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>