للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (١٦) كَلاّ} (١) ثم ذكر من تقدم من الرسل وتكذيب أممهم إياهم، وعقوبته سبحانه لهم بالتدمير عليهم وإهلاكهم (٢٣٤ /ب) قوله: {وَالْأَحْزابُ} هم الذين تحزبوا على الرسل وعاندوهم وعادوهم، وهم عاد وثمود وفرعون وغيرهم. قوله تعالى: {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ} أي: من هذه الأمم {بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ} ليأسروه، والأخيذ: الأسير. قوله تعالى:

{وَكَذلِكَ} في محل رفع بالابتداء، وتقديره: ومثل ذلك {حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ}.

روي في صفات حملة العرش آثار تدل على عظم خلقهم؛ في بعض الروايات: "ما خلق الله خلقا أعظم من إسرافيل، وإنه ليتضاءل من عظمة الله حتى يكون كالوصع، وهو العصفور الصغير" (٢).

وقوله: {وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} يدل على أن أحدا لا يدرك حقيقة ذات الله عز وجل، بل يؤمنون بها ويصدقون، وهؤلاء حملة العرش أشرف الملائكة، وهم يؤمنون بالله، ولم يقل:

يشاهدونه. يسألون الله تعالى المغفرة لبني آدم، وفي ذلك تشريف لصفة الإيمان، وأنها من أعظم صفات الصالحين.

قوله: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} فيه دليل على أن صفة الإيمان إذا جمعت بين شخصين يجب أن تكون داعية للنصيحة، وأن يستغفر له بظهر الغيب. وإن تباعدت أماكنهم وتفاوتت أجناسهم؛ فإنه لا اشتراك بين سماوي وأرضي، ولا بين ملك وبشر، ومع ذلك لما جمعتهم صفة الإيمان استغفر أهل السماوات العلى لأهل الأرضين السفلى.

فإن قلت: السعة من صفات الأجسام والله متعال عن ذلك، وقد وصف نفسه بقوله: {وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً؟} قلت: الأصل: وسعت رحمتك وعلمك كل شيء. فالواسع هي الرحمة والعلم، وقد اتسع فيه؛ فجعلت الصفة لهذين الوصفين، وجعل كأنها وسعا. فإن قلت: لما ذكر الرحمة والعلم كان القياس أن يقول: فاغفر للذين تابوا وارحمهم؟ قلت: المغفرة من جملة أنواع الرحمة؛ وكذلك وقاية السيئات رحمة أيضا.

{رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ}


(١) سورة الفجر، الآية (١٥ - ١٧).
(٢) تقدم تخريجه في تفسير سورة فاطر.

<<  <  ج: ص:  >  >>