للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَذُرِّيّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٨) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (١٠) قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (١١)}

قوله: {وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ} أي: العقوبات. قوله: {وَمَنْ صَلَحَ} يقال: صلح فهو صالح وصلح بضم اللام فهو صليح، والفتح أفصح. قوله: {لَمَقْتُ اللهِ} مبتدأ، خبره {أَكْبَرُ} وقوله: {إِذْ تُدْعَوْنَ} ظرف والعامل فيه المقت الأول، والمعنى أنه يقال لهم يوم القيامة: كان الله يمقت أنفسكم حين تدعون إلى الإيمان فتكفرون مقتا هو أكبر من مقتكم أنفسكم الآن. وقيل: لما رأوا أعمالهم الخبيثة مقتوا أنفسهم؛ فنودوا؛ لمقت الله إياكم الآن (٢٣٥ /أ) أكبر من مقتكم. و {إِذْ تُدْعَوْنَ} تعليل. والمقت: أشد البغض؛ فوضع في موضع أبلغ الإنكار وأشده. قوله: {رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ} أي: أوجدتنا أمواتا، ثم أحييتنا في الدنيا، ثم أمتنا فيها، ثم أحييتنا في الآخرة. وقد حكي عن ابن عباس وأبي ذر أنهما قالا:

الإماتتين والإحياءين قوله: {وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} (١). فإن قلت: كيف صح أن يسميهم وهم في العدم أمواتا؟ قلت: هو كقولك: سبحان من صغر جسم البعوضة، وكبر جسم الفيل، وتقول لمن يحفر لك بئرا: وسع أسفله وضيق أعلاه، وليس المراد التنقل من صغر إلى كبر، ومن كبر إلى صغر، ولا من ضيق إلى سعة ولا عكسه؛ بل المراد: أوجدها على هذه الصفة وكذلك النطف خلقها الله تعالى ولا روح فيها. ومن جعل الإماتتين التي بعد الحياة الدنيا والتي بعد حياة القبر لزمه إثبات ثلاثة إحياءات، وهو خلاف ما قاله في القرآن، هكذا قاله الزمخشري (٢) وفيه نظر؛ لأنه لا يتصور أن يكون العدد إحياءين وإماتتين؛ فإنك إن لم تعد النطف، وعددت إخراجهم من ظهر آدم كالذر صار معك ثلاثة إحياءات: إحياء من ظهر آدم، وإحياء في الدنيا، وإحياء في القبور المساءلة، وإن لم تعد ذلك، وعددت الإحياء في الدنيا واحدا والإحياء في القبر ثانيا، والإحياء للبعث ثالثا صارت ثلاثة إحياءات على جميع التقادير، وإن أسقطت واحدا من الإحياءات حتى تصير اثنتين نقصت من الإماتات واحدة؛ فأعمل فكرك فيها. قوله:


(١) سورة البقرة، الآية (٢٨)، والأثر ذكره الزمخشري في الكشاف (٣/ ٤١٨).
(٢) ينظر: الكشاف للزمخشري (٤/ ١٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>