للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} وصف اليوم بالشدة أيضا، وأن السماء على عظمها وإحكامها تنفطر فيه، فما ظنك بغيرها من الخلائق. قرئ "منفطر" و "متفطر" (١) والمعنى: ذات انفطار، أو على تأويل السماء بالسقف، والسماء شيء منفطر به مثلها في قولك: فطرت العود بالقدوم فانفطر به يعني: أنها تنفطر بشدة هول ذلك اليوم كما ينفطر الشيء بما ينفطر به، ويجوز أن يراد السماء مثقلة به إثقالا يؤدي إلى انفطارها لعظمه عليها وخشيتها من وقوعه كقوله: {ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} (٢). و {وَعْدُهُ} من إضافة المصدر إلى المفعول، والضمير لليوم ويجوز أن يكون مضافا إلى الفاعل وهو الله - تعالى ولم يجر له ذكر؛ لكونه معلوما {إِنَّ هذِهِ} الآيات الناطقة بالوعيد الشديد {تَذْكِرَةٌ} وموعظة {فَمَنْ شاءَ} اتعظ بها، واتخذ سبيلا إلى الله بالتقوى والخشية ومعنى اتخاذ السبيل إليه: التقرب والتوسل بالطاعة. {أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ} أقل منهما، وإنما استعير الأدنى وهو الأقرب للأقل؛ لأن المسافة بين الشيئين إذا دنت قل ما بينهما من الأحياز، وإذا بعد كثر ذلك. وقرئ: "ونصفه وثلثه" بالنصب (٣) على أنك تقوم أقل من الثلثين، وتقوم النصف والثلث وهو مطابق لما في أول السورة من التخيير بين قيام النصف بتمامه (٣١٩ /أ) وبين قيام الناقص منه وهو الثلث، وبين قيام الزائد عليه وهو الأدنى من الثلثين. {وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ} وذلك شاق عليكم.

{عَلِمَ} استئناف على وجه النسخ. {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ} يعني: المفروضات. وقيل:

زكاة الفطر؛ لأنه لم يكن بمكة زكاة. ومن جعلها زكاة مفروضة جعل آخر السورة مدنيا (٤).

{قَرْضاً حَسَناً} يريد أداء الصدقات المفروضة والنفل على أحسن الوجوه، من أطيب المال وأحله، ومراعاة النية وابتغاء وجه الله، واختيار الفقير الصالح المحتاج، وزمان الحاجات؛ الفاقة والقحط.


(١) تنظر في: الكشاف للزمخشري (٤/ ٦٤٢).
(٢) سورة الأعراف، الآية (١٧٨).
(٣) قرأ بها عاصم وحمزة والكسائي وابن كثير وخلف، وقرأ الباقون "ونصفه وثلثه" بالكسر.
تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٨/ ٣٦٦)، الحجة لابن خالويه (ص: ٣٥٥)، الحجة لأبي زرعة (ص: ٧٣١)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٦٥٨)، النشر لابن الجزري (٢/ ٣٩٣).
(٤) نسب السيوطي في الدر المنثور (٨/ ٣١١) لابن الضريس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال نزلت: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ بمكة. ونسب لابن مردويه عن ابن الزبير مثله، وللنحاس عن ابن عباس قال: نزلت سورة المزمل بمكة إلا آيتين: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>