للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلت: هلا زعمت أن "ما" في قوله: {وَما تَعْمَلُونَ} موصولة ويكون المعنى:

وخلق العمل الذي تعملونه؟ قلت: يأبى ذلك أن الأولى موصولة قولا واحدا؛ فوجب جعل الثانية كذلك (٢١٩ /أ) حتى لا يتفاوت المراد.

{قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (٩٨) وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصّالِحِينَ (١٠٠)}

(الجحيم) النار الشديدة الوقود. وقيل: كل نار على نار، وجمر على جمر فهي جحيم.

أرادوا أن يغلبوه بالحجة؛ فلقنه الله جوابهم، ثم أرادوا أن يقهروه ويحرقوه فنجاه الله من النار. أراد بذهابه إلى ربه هجرته، أراد: مهاجرته إلى أرض الشام. {سَيَهْدِينِ} سيرشدني في ديني؛ كما قال موسى: {كَلاّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ} (١) وجزم بحصول الهداية بقوله:

{سَيَهْدِينِ} وموسى رجا الهداية بقوله: {عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ} (٢).

{هَبْ لِي مِنَ الصّالِحِينَ} يريد الولد؛ لأن لفظ الهبة غلب في الولد، وقد جاء في الأخ؛ كقوله: {وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا} (٣) وهناء علي بن أبي طالب لابن عباس حين هنأه بولده علي أبي الأملاك (٤): شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب (٥).


= وفعلوها. ومذهب الجمهور أن جميع أنواع الطاعات والمعاصي والكفر والفسوق واقعة بقضاء الله وقدره ثم اختلفوا فقالت طائفة: إن العبد لا قدرة له البتة وهم الجبرية ومنهم من بالغ فزعم أن حركة العبد بمنزلة حركة الأشجار مع الرياح. وقالت طائفة: العبد غير مجبور على أفعاله بل هو قادر عليها ". وينظر في ذلك: إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات إلى المذهب الحق من أصول التوحيد لمحمد بن إبراهيم بن الوزير (١/ ٣٧٧ - ٣٧٨) ط. دار الكتب العلمية - بيروت - ١٩٨٧ م، الكشاف للزمخشري (٤/ ٥١ - ٥٢).
(١) سورة الشعراء، الآية (٦٢).
(٢) سورة القصص، الآية (٢٢).
(٣) سورة مريم، الآية (٥٣).
(٤) هكذا في الكشاف للزمخشري (٤/ ٥٣) ولعلها الإملاك وهو التزويج، ويقال للرجل إذا تزوج: قد ملك فلان، وشهدنا إملاك فلان وملاكه وملاكه، أي: عقده مع امرأته. ينظر: لسان العرب (ملك).
(٥) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٥٣) بهذا السياق، ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب العيال (١/ ٣٦٥) بسنده عن علي بن الجعد أخبرني الهيثم بن جماز قال: قال رجل عند الحسن لآخر: ليهنك الفارس، فقال الحسن: لعله لا يكون فارسا، لعله يكون بقالا أو جمالا، ولكن قل: شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب، بلغ أشده ورزقت بره" والهيثم بن جماز ضعيف؛ كما في الكامل لابن عدي (٧/ ١٠١)، وميزان الاعتدال للذهبي (٧/ ١٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>