للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي في سورة الأنبياء: أنهم تشوفوا إلى أن علموا؛ فقالوا: {سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ} (١).

فجوابه: أن الذين طلبوا معرفة كاسرها كانوا فرقة قليلة، وبعضهم رأى وشاهد فلم ينم عليه؛ بل عرضوا بقولهم: {سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ} وقيل: جوابه: أنه كان يكسرها ويذهب ولا يشعر به أحد، ويكون إقبالهم إليه يزفون بعد رجوعهم من عيدهم وسؤالهم عن الكاسر، وقولهم: {فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النّاسِ}.

{قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (٩٦)}

{وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ} أي: خلقكم وخلق ما تعملونه من الأصنام؛ كقوله: {قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ} (٢) أي: فطر الأصنام. فإن قلت: كيف يكون الشيء مخلوقا لله معمولا لهم؛ حيث أوقع خلقه وعملهم عليها جميعا؟!

قلت: الأصنام جواهر، فأوقع خلق الجواهر لنفسه - سبحانه - وأوقع الصنعة والتشكيل والتخطيط على الصنعة؛ كما تقول: صنع الصانع السوار، وصنع النجار الباب.

فإن قلت: فهلا جعلت "ما" في قوله {وَما تَعْمَلُونَ} مصدرية، أي: وعملكم؛ كما تقول المجبرة؟ قلت: أقرب ما يبطل به المذهب أنه يصير التقدير: والله خلقكم وخلق أعمالكم، فكيف ينكر عليهم شيئا صنعه الله؟ (٣)


(١) سورة الأنبياء، الآية (٦٠).
(٢) سورة الأنبياء، الآية (٥٦).
(٣) المجبرة أو الجبرية هم الذين يقولون: إن للعبد قدرة غير أنه لا أثر لها البتة وأفعاله مخلوقة لله وحده ولم يثبتوا كسبا للعبد ولا مقدورا بين قادرين. وهذه مسألة يكثر فيها الخوض ويتحير فيها العقل ويتخبط فيها الفهم وتحتاج إلى كلام كثير، وقد اختلفت أقوال الطوائف في مثل هذا، فمذهب أهل الحق: أن الرب - سبحانه - منفرد بخلق المخلوقات ولا خالق سواه ولا مبدع غيره وكل حادث فإنه محدثه. وقالت المعتزلة: إن جميع أفعال العباد من حركاتهم وسكناتهم وأقوالهم وأعمالهم لم يخلقها الله، ثم اختلفوا فقالت طائفة: خلقها الذين فعلوها دون الله. وقال آخرون: ليست مخلوقة ولكنها أفعال موجودة لا خالق لها. وقال آخرون: هي فعل الطبيعة. وقال الذين زعموا أن العباد خلقوها: إن وقوع الأفعال من العبد على وفق قصده وداعيته إقداما وإحجاما دليل على أنه موجدها ومخترعها، قالوا: ولولا ذلك لكانت التكاليف كلها واقعة على خلاف الاستطاعة وتكليفها بالمحال وكان لا يحسن مدح ولا ذم ولا ثواب ولا عقاب وهو خلاف مقتضى العقل والشرع والعرف. ونقل عن الإمامية: هل أفعال العباد خلق لهم أو خلق لله على قولين. ونقل الأشعري عن الزيدية: أنهم فرقتان، فرقة تزعم أن أفعال العباد مخلوقة لله خلقها وأبدعها، وفرقة تزعم أنها مخلوقة لله وأنها كسب للعباد أحدثوها واخترعوها -

<<  <  ج: ص:  >  >>