للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ} أي: مشارف للسقم، والسقم: الطاعون، وكان أغلب الأسقام عليهم، وكانوا يخافون العدوى؛ فهربوا عنه إلى عيدهم وتركوه في بيت الأصنام ليس معه أحد ففعل بالأصنام ما فعل، وإنما أخبر بأنه سقيم، ولم يكن كذلك. قالوا: إن الكذب جائز في إصلاح ذات البين، وإرضاء الزوج، وفي المكيدة في الحرب (١).

وعند المعتزلة: الكذب حرام ويخلص منه بالتعريض، وقد عرض بما يخالف الكذب؛ لأن من في عنقه الموت فهو سقيم (٢). وفي المثل (٢١٨ /ب) كفى السلامة داء (٣). وروي أن رجلا مات فجأة فكثر الناس عنده، فقال قائل: مات وهو صحيح، فقال له أعرابي:

أصحيح من الموت في عنقه (٤). وقيل: أراد: إني سقيم النفس لكفركم.

{فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (٩٠) فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٩١) ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (٩٢) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (٩٣) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (٩٤)}

{فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ} فذهب إليها في خفية، من روغان الثعلب، {إِلى آلِهَتِهِمْ} إلى أصنامهم بزعمهم؛ كقوله: {أَيْنَ شُرَكائِيَ} (٥). {فَراغَ عَلَيْهِمْ} فأقبل عليهم مستخفيا، أو فراغ عليهم يضربهم، أو جعل {ضَرْباً} بمعنى ضاربا، على الحال. {بِالْيَمِينِ} يريد ضربا قويا؛ لأن اليمين أقوى الجارحتين. وقيل: بالقوة. وقيل: بسبب الحلف، وهو قوله {وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ}.

{يَزِفُّونَ} يسرعون، ويجوز أن يقال: أزفوا، أي: دخلوا في الزفيف، أو حملوا على الزف وهو الإسراع. فإن قلت: ذكر القصة هاهنا يدل على أنهم أبصروه حالة الزف،


(١) روى الترمذي رقم (١٨٦٢) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل الكذب إلا في ثلاث: يحدث الرجل امرأته ليرضيها، والكذب في الحرب، والكذب ليصلح بين الناس". وحسنه الترمذي. وروى البخاري - رقم (٢٤٩٥)، ومسلم رقم (٤٧١٧) - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، فينمي خيرا أو يقول خيرا".
(٢) ينظر: الكشاف للزمخشري (٤/ ٤٩).
(٣) روي هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم؛ رواه القضاعي في مسند الشهاب (٢/ ٣٠٢) رقم (١٤٠٩)، والديلمي في مسند الفردوس (٣/ ٢٩٠) رقم (٤٨٧١) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالسلامة داء". وضعفه الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة (٤٠٩٠).
(٤) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٤٩).
(٥) سورة النحل، الآية (٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>