{وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} ثناء حسنا، وفي المأثور من رقية العقرب أن يقال في آخرها: سلم {عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ}(١)، وقوله في العالمين: يعني أن هذا الثناء عليه والتسليم تتعلمه أمم الأنبياء كلهم؛ فعلل ما أكرمه، وكونه موصوفا بهذه الأوصاف بقوله:{إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}{ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ}(٢١٨ /أ) يعني: من سوى نوح وأولاده {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ} نوح، أي: شايعه في أصول الدين أو فروعه، أو شايعه على التصلب في دين الله. وقيل: ما كان بين نوح وإبراهيم إلا نبيان: هود وصالح، وبين نوح وإبراهيم ألفان وستمائة وأربعون سنة.
فإن قلت: وبم يتعلق الظرف في قوله: {إِذْ جاءَ رَبَّهُ؟} قلت: بما في الشيعة من معنى المتابعة، أو بمحذوف تقديره: اذكر مجيئه {بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} أي: سليم من آفات القلوب.
وقيل: من الشرك، ولا معنى للتخصيص؛ لأن الأفعال المذمومة ليس بعضها أولى من بعض بالنهي، ومعنى المجيء بقلبه أنه أخلص قلبه للطاعة فكأنه جاء بها.
{أَإِفْكاً} مفعول له، أي: أتريدون آلهة غير الله، وإنما قدم المفعول على الفعل للاعتناء وقدم المفعول له على المفعول به؛ لأنه كان الأهم عنده أن يواجههم بأنهم على ضلال وإفك، ويجوز أن يكون {أَإِفْكاً} مفعولا به تقديره: أتريدون أفكا، ثم فسر الإفك بقوله:{آلِهَةً دُونَ اللهِ} ويجوز أن يكون حالا، أي: تريدون آلهة دون الله آفكين.
{فَما ظَنُّكُمْ} بمن هو الحقيق بالعبادة؛ لأن من كان ربا للعالمين استحق أن يعبد {فَما ظَنُّكُمْ} أي: بأي سبب من الأسباب ادعيتم مشاركته في الإلهية، وأي ظن ذهب بكم إلى ذلك. ويجوز أن يكون المعنى: فما ظنكم برب العالمين أنه يفعل بكم: أيعاقبكم أشد العقوبة أم لا؟ {فِي النُّجُومِ} أي: في علومها أو في أحكامها.
سئل بعض الملوك عن مشتهاه؟ فقال: حبيب أنظر إليه، ومحتاج أنظر له، وكتاب أنظر فيه. كان القوم نجّامين فأوهمهم أنه استدل بشيء من أحكام النجوم على أنه سقيم.
(١) ذكر ابن عبد البر في التمهيد (٢١/ ٢٤١) عن سعيد بن المسيب قال: "وبلغني أنه من قال حين يمسي: (سلام على نوح في العالمين) لم تلدغه عقرب".