للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فِتْنَةً} محنة؛ وذلك أنهم قالوا: كيف يكون في النار شجرة، ودأب النار أن تحرق الشجر فكذبوا؟! وقيل: إن منبتها في أصل الجحيم، وفروعها تأتي على جميع دركاتها، وشبه الطلع برؤوس الشياطين، ولم يرها؛ لأن المركوز في النفوس أن الشياطين في غاية القبح؛ وهو من تشبيه المحسوس بالمعقول.

وقيل: الشيطان حية عرفاء لها عرف.

{إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (٦٥) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ (٦٧) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (٦٨) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ (٦٩) فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ (٧٠) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (٧١) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (٧٢) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣) إِلاّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (٧٤) وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (٧٥) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (٧٧) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (٧٨) سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (٧٩) إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٠) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (٨١) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٨٢) وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (٨٣)}

{فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ} بطونهم؛ لما غلبهم من الجوع أو يكرهون على أكلها، وهو نوع من العذاب. يشربون عليها من ماء شديد الحرارة، إذا صب عليهم أذاب شحم بطونهم، وجاء ب‍ "ثم" ليدل على أن بشاعة الشراب أشد من بشاعة الطعام، ثم إن مصيرهم {لَإِلَى الْجَحِيمِ} لأنهم قلدوا في عقائدهم الفاسدة آباءهم.

{أَلْفَوْا} وجدوا آباءهم {ضالِّينَ} {يُهْرَعُونَ} أي: يذهب بهم ذهابا شديدا. {وَلَقَدْ ضَلَّ} قبل قومك {أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ} وهم أمم الرسل {مُنْذِرِينَ} أنبياء بعثوا إلى قومهم؛ فكذبوا فأهلكوا. لما ذكر سبحانه {فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ} وهم الكفار المكذبون، شرع في قصة نوح ومن بعده من الرسل كإبراهيم وإسحاق وإدريس ولوط ويونس فقال: {وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ} أي: استغاث بنا {فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} نحن {وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ} من الغرق. {هُمُ الْباقِينَ} يعني أنه لم يبق ممن حمله نوح في السفينة ممن له نسل. روي أنه لم يبق ممن جعل في السفينة مع نوح أحد من المؤمنين به (١).


(١) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٤٨)، والسيوطي في الدر المنثور (٥/ ٥٢٤) بنحو هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>