للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينحر فيه اليوم. وجواب {فَلَمّا} محذوف تقديره: فلما أسلما وتله وناديناه جرى ما لا يحيط به الوصف من [الخطب] وحيازة ما لا يقدر قدره من الأجر. {(الْبَلاءُ الْمُبِينُ)} الاختبار الذي يضيق فيه العطن، ويقل فيه الصبر، أو المحنة الصعبة التي لا شيء أصعب منها. الذّبح: اسم لما يذبح. وعن ابن عباس: "هو الكبش الذي قربه هابيل فقبل منه، وكان يرعى في الجنة حتى فدي به الذبيح" (١).وعن الحسن: فدي بوعل أهبط عليه من ثبير (٢). فإن قلت: من الذبيح؟ قلت: فيه قولان: أحدهما: أنه إسماعيل وبه قال ابن عباس وابن عمر ومحمد بن كعب القرظي وجماعة من التابعين محتجين بأن الكبش والذبيح كانا بمكة، ولم ينقل أن إسحاق وصل إلى مكة، بل إسماعيل، وبنى هو وأبوه البيت.

والقول الثاني: أنه إسحاق، وبه قال علي بن أبي طالب وابن مسعود والعباس وعطاء وعكرمة، وأن المذبوح هو المبشر به؛ لقوله تعالى: {فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} (٣) وقد قال تعالى: {فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ} (٤) وقد ثبت أن المذبوح هو المبشر به، ولأن الله تعالى ما ذكر نبيا في هذه السورة إلا سلم عليه، أو بارك، وقد بارك على إسحاق بقوله: {وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما} الآية، ولأن الله بشر إبراهيم بولد، وبأن ذلك الولد يعيش إلى أن يولد له ولد، فلو كان الذبيح إسماعيل لكان يقول: إن الله وعدني أن يعيش هذا حتى يرزق ولدا، ولم يرزق بعد ولدا وأكثر العلماء على أن الذبيح إسحاق (٥). فإن قلت: الله سبحانه أمر إبراهيم بذبح ولده ولم يذبحه؟ قلنا: قد بذل وسعه، وما وصلت قدرته إليه، إلا أن الله سبحانه أباح له الفداء، وسمي من فعل ذلك مطيعا، ولا يسمى عاصيا. فإن قلت: فالله تعالى هو الفادي، وإبراهيم فاد أيضا! قلت: الله تعالى أوجب الذبح، ووهب الكبش (٢٢٠ /أ) فيطلق على الله أنه فاد، وعلى إبراهيم.

{قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (١٠٦) وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٠٨) سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (١٠٩) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١١٠)}


(١) رواه الطبري في تفسيره (٢٣/ ٨٦)، ونسبه السيوطي في الدر المنثور (٧/ ١١٣) لابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(٢) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٥٥)، والوعل: تيس الجبل، وثبير: جبل معروف بمكة.
(٣) سورة الصافات، الآية (١١٢).
(٤) سورة هود، الآية (٧١).
(٥) تقدم الكلام على ذلك في تفسيره سورة هود، الآية (٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>