للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحقيقة أن مصادر التلقي عند ابن عجيبة لا تعتمد على الكتاب والسُّنَّة وفق منهج السَّلف، وإن ذكر أحاديث صحيحة فهو يذكرها اعتضادًا لا اعتمادًا، بل المصادر المعتمدة هي أذواقٌ، وكشوفاتٌ، ووجد (١)، وهذا هو حال الصوفية وأهل البدع عمومًا.

قال الشاطبي: "ومن نظر إلى طريق أهل البدع في الاستدلالات عرف أنها لا تنضبط؛ لأنها سَياَّلةٌ لا تقف عند حدٍّ وعلى كلِّ وجه يصح لك زائغ وكافر أن يستدل على زيغه وكفره حتى ينسب النحلة التي التزمها إلى الشريعة، قد رأينا وسمعنا عن بعض الكفَّار أنه استدل على كفره بآيات القرآن كما استدل بعض النصارى على تشريك عيسى - عليه السلام - في الربوبية بقوله تعالى: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} (٢)، واستدلَّ على أنَّ الكفَّار من أهل الجنة بإطلاق قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (٣)، واستدل بعض اليهود على تفضيلهم علينا بقوله تعالى: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} (٤) وبعض الحلولية استدلَّ على قوله بقول الله تعالى: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} (٥)، والتناسخى استدلَّ بقول الله تعالى: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} (٦).


(١) سيأتي الحديث عنها في الفصل الثاني من هذا الكتاب، مصادر الصوفية في الاستدلال.
(٢) سورة النساء: ١٧١.
(٣) سورة البقرة: ٦٢.
(٤) سورة البقرة: ٤٧.
(٥) سورة الحجر: ٢٩.
(٦) سورة الانفطار: ٨.

<<  <   >  >>