للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأنزل ابن عجيبة كشف الولي مكانة ومرتبة عظيمة، بل ذهب إلى أنه محفوظٌ من الشياطين، ويستدل بقول الله - عز وجل - {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ} (١)، قال: "وحي الإلهام الذي يتنزل على القلوب الصافية من الأغيار كوحي الأحكام ما تتنزل به الشياطين، وما ينبغي لهم وما يستطيعون؛ لأنهم ممنوعون من قلوب العارفين؛ لما احتفت به من الأنوار، وما صانها من الأسرار" (٢).

ويصف ابن عجيبة الولي المكاشف بقوله: "أدركت أنوار الملكوت متصلة ببحر الجبروت، وصرت أنت قطب الوجود، تدوِّره بيدك كيف شئت، خليفة الله في أرضه، نقطة دائرة كونه" (٣).

ويوجب ابن عجيبة طاعة الوارد الإلهي، والعقوبة لمن يخالف ذلك، قال: "الوارد الإلهي تجب طاعته؛ لأنه يتجلَّى من حضرة الحق، وهو أمينٌ على ما يأتي به من العلوم" (٤)، وقال: "فإذا تجلَّى فيه شيءٌ بأمر أو نهي فاستهان به وخالفه أدَّبه الحقُّ على ذلك إما في ظاهره وهو أخف، وإما في باطنه بالحجبة أو الفرقة، ولقد سمعت شيخ شيخنا العربي الدرقاوي يقول: لي ثلاثون سنة ما خالفت قلبي في شيءٍ إلا أدَّبني الحقُّ تعالى" (٥).

ومن إغراقه فيما يعتقده في الكشف أنه يزعم أنَّ العلم الشرعي حجاب عن الكشف؛ وعلَّل بأنَّ العلماء لم يصلوا لعلم المعاني؛ لأنهم "اشتغلوا بعلم المنقول،


(١) سورة الشعراء: ٢١٠.
(٢) البحر المديد ٤/ ١٦٦.
(٣) الفتوحات الإلهية، ص ٦٧.
(٤) البحر المديد ٦/ ٣٩٦.
(٥) المرجع نفسه ٥/ ٣٠٣، وينظر: إيقاظ الهمم، ص ٢٧٨.

<<  <   >  >>