للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤ - ترويض النَّفس بالذُّل:

قال ابن عجيبة: "فالذُّلُّ والفقرُ بابان عظيمان للدخول على الله - عز وجل -، والوصول إلى حضرته"، وعرَّف المراد بالذُّلِّ بأنه: "الذُّلُّ بين الأقران حتى يراه الخاص والعام وكلُّ من كان يعظِّمه من الأصحاب والإخوان" (١)، وقال في موضع آخر: "المراد بالذُّلِّ هو ذلُّ النفس في طلب الحق، يظهر ذلك بين الأقران، لتموت به النفس سريعًا، فتحيا الروح بمعرفة الحق وشهوده، وذلك: كالمشي بالحفا، وتعرية الرأس في المواضع الذي يراه الناس، والسؤال في الأسواق والحوانيت، فهذا هو الذُّلُّ الذي يعقبه العزُّ بالله" (٢).

وذكر ابن عجيبة تأصيلًا لأمر السؤال فقال: "كيفيته: أن يتوضأ الرَّجُل ويصلي ركعتين، ويأخذ الزنبيل (الوعاء) بيده اليمنى، ويخرج إلى السوق ومعه رجلٌ آخر يذكر الله ويذَّكر الناس، والناس يعطونه في ذلك الزنبيل حتى يجمع ما تيسَّر من الطعام، ويعُبه بين الفقراء فيأكلون طعامًا حلالًا بلا تكلُّف، ولا كلفة هذا ما تيسَّر لنا في حكم السؤال" (٣).

وما ذكره ابن عجيبة من ترويض النفس وإذلالها لم يأمر به الله - عز وجل - ولم يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا الصحابة - رضي الله عنهم - ولا التابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين، وقد أمر الدين الإسلامي بإكرام النفس وحفظ المال، وعدم إسقاط الجاه، قال - عز وجل -: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (٤)، ودعا النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنس بن مالك - رضي الله عنه - فقال: «اللهم أكثر ماله


(١) الفهرسة، ص ٥٣ - ٥٤.
(٢) شرح المقدمة الآجرومية، ص ٢٤.
(٣) إيقاظ الهمم، ص ٣٣٣.
(٤) سورة الإسراء: ٧٥.

<<  <   >  >>