للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أيضًا فناء الفناء؛ لأنه علم أنه لم يكن ثم شيءٌ يفنيه غير الوهم والجهل وهما لا حقيقة لهما" (١).

ما ذكره ابن عجيبة في تعريفه للذوق حقيقته أحوال (٢) ومقامات (٣) ينتقل السالك فيها من مقام إلى مقام بعد تبحُّره بما سمّوه علم الحقيقة -أي علم الباطن- حتى يصل إلى مرحلة الفناء التي يغيب الفاني عن رؤية كلِّ شيء، والبقاء بأن يرى الله في كلِّ شيءٍ -تعالى الله- عمَّا يقول عُلوًا كبيرا، وهذا ما عُرِف بوحدة الوجود تلك العقيدة الكفرية التي عليها بعض المتصوفة.

أمَّا "الشُّرب، والسُّكر (٤)، والصَّحو (٥)، والغيبة (٦) فهي مرادفات الفناء والبقاء، التي عبَّر عنها ابن عجيبة بقوله: "الفناءُ هو أن تبدو لك العظمة فتنسيك كلَّ شيء، وتغيبك عن كلِّ شيءٍ سوى الواحد الذي ليس كمثله شيء، وليس معه شيء، أو تقول هو شهود حق بلا خلق، وأما البقاء فهو شهود خلق بحق" (٧).


(١) معراج التشوف، ص ٦٥ - ٦٦.
(٢) الأحوال: ما يرد على القلب من طربٍ أو حزنٍ أو بسطٍ أو قبض، وتُسمَّى الحال بالوارد. ينظر: معجم مصطلحات الصوفية، ص ٧٣، وسيأتي بحثها في موضعها من الكتاب.
(٣) مقامات: مثل التوبة، والورع، والزهد، والفقر ... وشرطه أن لا يرتقي من مقام إلى مقام، مالم يستوف أحكام ذلك المقام. ينظر: معجم مصطلحات الصوفية، ص ٧٣.
(٤) السُّكر: أن يغيب عن تمييز الأشياء، ولا يغيب عن الأشياء وهو ألا يميز بين مرافقه وملاذه وبين أضدادها في مرافقة الحق؛ فإنَّ غلبات وجود الحق تسقطه عن التمييز بين ما يؤلمه. ينظر: التعرف لمذهب أهل التصوف، للكلاباذي، ص ١١٦.
(٥) الصَّحو: أن يميِّز فيعرف المؤلم من الملذ، فيختار المؤلم من موافقة الحق، ولا يشهد الألم بل يجد لذة في المؤلم. ينظر: التعرف لمذهب أهل التصوف، ص ١٣٥.
(٦) الغَيْبَة: أَن يغيب عَن حظوظ نَفسه فَلَا يَرَاهَا وهي أعنى الحظوظ قَائِمَة مَعَه مَوْجُودَة فِيهِ غير أَنه عَنْهَا بِشُهُود مَا للحق. ينظر: التعرف لمذهب التصوف ص ١١٨.
(٧) إيقاظ الهمم، ص ٢٩٩.

<<  <   >  >>