للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحقيقة الأمر أنَّ الذوق يرتبط بالكشف والتجلِّي (١)، ظهر ذلك من خلال استقراء عبارات ابن عجيبة في تعريفه للذوق، ولقد ذكر ابن عجيبة أنَّ هذه الأوراد سبب الأحوال والمقامات، فعند شرحه للوارد قال: "الوارد نورٌ إلهيٌّ، يقذفه الله في قلب من أحبَّ من عباده، وهو على ثلاثة أقسام: على حسب البداية، والوسط، والنهاية، أو تقول على حسب الطالبين، والسائرين، والواصلين، القسم الأول: وارد الانتباه: وهو نورٌ يخرجك من ظلمة الغفلة إلى نور اليقظة، وهو لأهل البداية من الطالبين، فإذا تيقَّظ من نومه، وانتبه من غفلته استوى على قدمه طالبًا لربِّه، فيُقبل عليه بقلبه وبقالبه، وينجمع عليه بكلِّيته، والقسم الثاني: وارد الإقبال، وهو: نورٌ يقذفه الله في قلب عبده، فيحرِّكه لذكر مولاه، ويغيبه عما سواه، فلا يزال مشتغلًا بذكره، غائبًا عن غيره، حتى يمتلئ القلب بالنور، ويغيب عمَّا سوى المذكور، فلا يرى إلا النور، فيخرج من سجن الأغيار، ويتحرَّر من رقِّ الآثار، والقسم الثالث: وارد الوصال وهو: نورٌ يستولي على قلب العبد، ثم يستولي على ظاهره وباطنه، فيخرجه من سجن نفسه، ويغيبه عن شهود حسِّه" (٢).

والمتأمِّل لما أورده ابن عجيبة في هذه التقسيمات يلحظ أنها درجات الفناء.

ولقد دحضها ابن القيم - رحمه الله - بقوله: "وهذا الاسم يطلق على ثلاثة معان: الفناء عن وجود السوى، والفناء عن شهود السوى، والفناء عن إرادة السوى.

فأمَّا الفناء عن وجود السوى: فهو فناء الملاحدة، القائلين بوحدة الوجود، وأنه ما ثمَّ غير، وأن غاية العارفين والسالكين الفناء في الوحدة المطلقة، ونفي التكثُّر


(١) التجلِّي: ما يظهر للقلوب من أنوار الغيوب. معجم اصطلاحات الصوفية، ص ١٤٦.
(٢) إيقاظ الهمم، ص ١٢٥ - ١٢٦.

<<  <   >  >>