للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منها ما لا يتصف به إلا المعدوم، ومنها ما لا يتصف به إلا الجمادات، والناقص" (١).

أما الأحوال والمقامات التي ذكرها ابن عجيبة أثناء تعريفه للذوق فبيَّنها ابن القيم بقوله: "ولأرباب السلوك اختلاف كثير في عدد المقامات وترتيبها، كلٌّ يصف منازل سيره، وحال سلوكه ولهم اختلاف في بعض منازل السير، هل هي من قسم الأحوال؟ والفرق بينهما: أنَّ المقامات كسبية والأحوال وهبية، ومنهم من يقول: الأحوال من نتائج المقامات والمقامات نتائج الأعمال فكلُّ من كان أصلح عملًا كان أعلى مقامًا، وكلُّ من كان أعلى مقامًا كان أعظم حالًا ... والصحيح في هذا أنَّ الواردات والمنازلات لها أسماء باعتبار أحوالها، فتكون لوامع وبوارق ولوائح عند أول ظهورها وبدوها، كما يلمع البارق، ويلوح عن بعد فإذا نازلته وباشرها فهي أحوال، فإذا تمكَّنت منه وثبتت له من غير انتقال فهي مقامات وهي لوامع ولوائح في أولها وأحوال في أوسطها، ومقامات في نهاياتها، فالذي كان بارقًا هو بعينه الحال، والذي كان حالًا هو بعينه المقام، وهذه الأسماء له باعتبار تعلُّقه بالقلب، وظهوره له، وثباته فيه، وقد ينسلخ السالك من مقامه كما ينسلخ من الثوب، وينزل إلى ما دونه، ثم قد يعود إليه، وقد لا يعود" (٢).

ولا ريب أنَّ من تحاكم إلى الذوق فيما يسوغ ويمتنع، وفيما هو صحيح وفاسد وجعله محكًّا للحق والباطل فنبذ لذلك موجب العلم والنصوص وحكَّم فيها الأذواق، وطمست معالم الإيمان والسلوك المستقيم وانعكس السير وكان إلى الله


(١) الرسالة التدمرية، ص ٢٢.
(٢) مدارج السالكين ١/ ١٥١ - ١٥٢.

<<  <   >  >>