للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُقَوِّم حقائق الأشياء، ويحكم عليها بالخيرية أو الشرِّية، بالحسن أو القبح، بأنها حقٌّ أو باطل، فلا جرم أن تدين الصوفية بعدد عديد من أرباب وآلهة، ولا عجب أن ترى النِّحلة منها تعبد وثنًا بغير ما تعبده به أخرى، أو تخنع لصنم يكفر به سواها من النِّحل الصوفية، لا عجب من ذلك كله، ما دامت تجعل الذوق الفردي حاكمًا وقيِّمًا على المسمَّيات وأسمائها، فيصح للشيء معناه مرة، ثم ينسخه بنقيضه مرة أخرى، هذه الحدة في توتر التناقض صبغة الصوفية دائمًا في منطقها المخبول، ولقد ضربت الصوفيين أهواء أحبارهم بالحيرة والفرقة، فحاولوا طرائق قددا، تؤلِّه كل طريقة منها ما ارتضاه كاهنها صنمًا له، وتعبده بما يفتريه هواه من خرافات" (١)،

وهؤلاء عندما يطالبون بدليلٍ شرعيٍّ لما يقولون يرجعون إلى مصطلحاتهم الفاسدة من وجد، وذوق، قال ابن خلدون (٢): "وإذا كانت كلماتهم وتفاسيرهم لا تفارق الإبهام والاستغلاق فما الفائدة فيها؟ فالرجوع إذن إلى كلمات الشرع واقتباس معانيها من التفاسير المعتضدة بالأثر، ولو كانت لا تخلص من الإبهام أولى من ابهامهم الذي لا يستند إلى برهان عقل ولا قضية شرع" (٣).

وابن عجيبة تابع سلفه من الصوفية بأنَّ جميع علومهم لا تُعرف إلا عن طريق الذوق.


(١) هذه هي الصوفية، ص ٢١ - ٢٢ ..
(٢) هو: عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي الأشهيلي، المعروف بابن خلدون، ولد بتونس سنة ٧٣٢ هـ، وحفظ القرآن، وسمع الحديث، ودرس العربية في صغره، رحل إلى الشَّام ثم مصر حيث تولى فيها منصب قاضي المالكية، له مؤلفات منها: مقدمة ابن خلدون، شفاء السائل لتهذيب المسائل، وكانت وفاته سنة ٨٠٨ هـ. ينظر: المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي، لابن تغري بردي ٧/ ٢٠٥، الضوء اللامع، للسخاوي ٤/ ١٥٤.
(٣) شفاء السائل لتهذيب المسائل, ص ٢١١ - ٢١٢.

<<  <   >  >>