للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد حذَّر السَّلف الصالح من زلة العالم، وجعلوها من الأمور التي تهدم الدين، فإنه ربما ظهرت فتطير في الناس كلَّ مطار، فيعدونها دينًا، وهي ضد الدين، فتكون الزلة حجة في الدين، فكذلك أهل التصوف، ولا بد لمن يريد الاقتداء بالصوفي من عرض أقواله وأفعاله على حاكم يحكم عليها: هل هي من جملة ما يتخذ دينًا أم لا؟ والحاكم هو الشرع، وأقوال العالم تعرض على الشرع أيضًا، وأقل ذلك في الصوفي أن نسأله عن تلك الأعمال إن كان عالمًا بالفقه، كالجنيد وغيره - رحمهم الله -، ولكن هؤلاء الرجال النابتة لا يفعلون ذلك، فصاروا متبعين الرجال من حيث هم رجال لا من حيث هم راجحون بالحاكم الحق، وهو خلاف ما عليه السلف الصالح" (١).

"وأما انتساب الطائفة إلى شيخٍ معيَّن: فلا ريب أنَّ الناس يحتاجون من يتلقون عنه الإيمان والقرآن، كما تلقَّى الصحابة ذلك عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وتلقَّاه عنهم التابعون؛ وبذلك يحصل اتباع السابقين الأولين بإحسان، فكما أنَّ المرء له من يعلمه القرآن ونحوه فكذلك له من يعلمه الدين الباطن والظاهر، ولا يتعين ذلك في شخصٍ معيَّن؛ ولا يحتاج الإنسان في ذلك أن ينتسب إلى شيخٍ معيَّن، كل من أفاد غيره إفادة دينية هو شيخه فيها؛ ... فسلف الأُمَّة شيوخ الخلفاء قرنًا بعد قرن؛ وليس لأحدٍ أن ينتسب إلى شيخٍ يوالي على متابعته ويعادي على ذلك؛ بل عليه أن يوالي كلَّ من كان من أهل الإيمان ومن عُرف منه التقوى من جميع الشيوخ وغيرهم ولا يخصُّ أحدًا بمزيد موالاة إلا إذا ظهر له مزيد إيمانه وتقواه، فيقدِّم من قدَّم الله تعالى ورسوله عليه، ويفضِّل من فضَّله الله ورسوله، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (٢)، (٣).


(١) الاعتصام ٢/ ٨٦٥ - ٨٦٧.
(٢) سورة الحجرات: ١٣.
(٣) مجموع الفتاوى، لابن تيمية ١١/ ٥١١ - ٥١٢.

<<  <   >  >>