للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تأويله لقول الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (١) قال: "هم العارفون بالله، فإذا أشكل علينا أمرٌ من أمر القلوب كأسرار التوحيد، وأمر الخواطر، رجعنا إليهم؛ لأنهم أهل الذوق والكشف، يُجيبون سائلهم بالهمَّة والحال، حتى يقلعوا عروق ما أشكل على السائل" (٢).

وهذا هو حال كثير من الصوفية يُعرضون عن الدليل الشرعيِّ المبنيِّ على الكتاب والسُّنَّة إلى أقوال وخرافات مشايخهم وإن كانت مخالفة للنصوص الشرعية.

قال الشاطبي: "رأى نابتة متأخرة الزمان ممن يدَّعى التخلُّق بخلق أهل التصوف المتقدِّمين، أو يروم الدخول فيهم، يعمدون إلى ما نُقل عنهم في الكتب من الأحوال الجارية عليهم أو الأقوال الصادرة عنهم، فيتخذونها دينًا وشريعةً لأهل الطريقة وإن كانت مخالفة للنصوص الشرعية من الكتاب والسُّنَّة، أو مخالفة لما جاء عن السلف الصالح، لا يلتفتون معها إلى فُتيا مفتٍ ولا نظر عالم، بل يقولون: إنَّ صاحب هذا الكلام ثبتت ولايته، فكل ما يفعله أو يقوله حق، وإن كان مخالفًا فهو أيضًا ممن يُقتدى به، والفقه للعموم، وهذه طريقة الخصوص.

فتراهم يحسنون الظن بتلك الأقوال والأفعال ولا يحسنون الظن بشريعة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهو عين اتباع الرجال وترك الحق، مع أنَّ أولئك المتصوفة الذين ينقل عنهم لم يثبت أنَّ ما نقل عنهم كان في النهاية دون البداية، ولا علم أنهم كانوا مقرِّين بصحة ما صدر عنهم أم لا، وأيضًا فقد يكون من أئمة التصوف وغيرهم من زلَّ زلةً يجب سترها عليه، فينقلها عنه من لا يعلم حاله ممن لم يتأدَّب بطريق القوم كلَّ التأدب.


(١) سورة النحل: ٤٣.
(٢) البحر المديد ٣/ ١٣٢.

<<  <   >  >>