للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصوفي المقيَّد بالنغم، قال ابن عجيبة: "إذا كان الغناء يهيج لذكر الله، ويحرك إلى حضرة الله كان حقًّا، وإذا كان يحرك إلى الهوى النفساني كان باطلًا، والحاصل أنَّ السماع عند الصوفية ركن من أركان الطريقة" (١)، وقال أيضًا: "وقد حضرت سماعًا مع شيخنا البوزيدي، فكان يتمايل يمينًا وشمالًا ... ولا ينكر السماع إلا جامدًا جاهل خال من أسرار الحقيقة" (٢).

بل إنَّ ابن عجيبة يردُّ على من اعترض على السماع، بقوله: "اعلم أنَّ اعتراض أهل الظاهر على الصوفية لا ينقطع أبدًا، هذه سُنَّة ماضية، وخصوصًا في السَّماع والرَّقص، وهم معذورون؛ لأنهم لا يشاهدون إلَاّ ذواتًا ترقص وتشطح، ولا يدرون ما في باطنها من المواجيد والأفراح، فيحملون ذلك على خِفَّة العقل والطيش، فيقعون فيهم إلَاّ من عصمه الله بالتسليم، ولذلك كان التصديق بطريقة القوم والاعتراض جناية" (٣).

فهو أساس الوُجد وعبر عنه بالبسط والقبض للقلب، وعرّفهما ابن عجيبة بقوله: "البسط فرحٌ يعتري القلوب أو الأرواح، إما بسبب قرب شهود الحبيب أو شهود جماله، أو بكشف الحجاب عن أوصاف كماله، وتجلِّي ذاته، أو بغير سبب، والقبض: "حزنٌ وضيقٌ يعتري القلب، إمَّا بسبب فوات مرغوب، أو عدم حصول مطلوب، أو بغير سبب" (٤)، وتلحظ من التعريف أنَّ ثمرة البسط والقبض في الوُجد، الكشف عن الحجاب -أي- معرفة الغيب، وثمرة الكشف وحلاوة الشهود التي


(١) البحر المديد ٤/ ٣٢٦.
(٢) معراج التشوف، ص ٦١.
(٣) إيقاظ الهمم، ص ٣٠٠.
(٤) إيقاظ الهمم، ص ١٧٢، ومعراج التشوف، ص ٤٥.

<<  <   >  >>