للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في رده على من سلك هذا المسلك أنهم "ظنُّوا أنَّ التوحيد ليس إلا الإقرار بتوحيد الربوبية، وأنَّ الله خلق كل شيء، وهو الذي يسمونه توحيد الأفعال" (١).

٢ - أنه جعل توحيد الربوبية هو الغاية، إذ فسَّر معنى لا إله إلا الله بـ "لا موجود إلا الله" (٢)، وهذا التفسير باطل، ومعلوم أنَّ كفَّار قريش يقرون بتوحيد الربوبية، وقد يقول قائل: هذا تفسير ابن عجيبة بين أيدينا وكتبه تحثُّ على العبادة والطاعة لله، فكيف لا يعرف من التوحيد سوى توحيد الربوبية، فيجاب عليه أنه يرى توحيد الألوهية من عموم الدين الإسلامي، لكنه لا يرى أنه من حقيقة التوحيد الذي يقع في الشرك مخالفُه، بدليل قوله: كل لفظ من التوحيد يكفي في الدخول في الإسلام، قال ابن تيمية: "وإذا تبيَّن أنَّ غاية ما يقرره هؤلاء النظَّار، أهل الإثبات للقدر المنتسبون إلى السُّنَّة، إنما هو توحيد الربوبية، وأن الله ربُّ كلِّ شيءٍ ومع هذا فالمشركون كانوا مقرين بذلك مع أنهم مشركون، وكذلك طوائف من أهل التصوف والمنتسبين إلى المعرفة والتحقيق والتوحيد غاية ما عندهم من التوحيد هو شهود هذا التوحيد وأن يشهد أن الله ربُّ كلِّ شيءٍ ومليكه وخالقه، لا سيِّما إذا غاب العارف (٣) بموجوده عن وجوده، وبمشهوده عن شهوده، وبمعروفه عن معرفته، ودخل في فناء توحيد الربوبية، بحيث يفنى من لم يكن، ويبقى من لم يزل فهذا عندهم هو


(١) اقتضاء أصحاب الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم ٢/ ٣٨٦.
(٢) الجواهر العجيبة، ص ١١٥.
(٣) العارف: هو المستغرق في معرفة الله ومحبته. ينظر: الكليات، ص ٤٩٠، وقيل في الفرق بين العارف والمؤمن: أنَّ المؤمن عند الصوفية ينظر بنور الله والعارف ينظر بالله، وللمؤمن قلب وليس للعارف قلب، وقلب المؤمن يطمئن بذكر الله، والعارف لا يطمئن بسواه. ينظر: معجم المصطلحات الصوفية، ص ١٨١.

<<  <   >  >>