للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (١)، فالحمد يتضمَّن مدح المحمود بصفات كماله مع محبته والرضا عنه، وهذا متضمِّنٌ لنفي النقائص والعيوب، وقوله تعالى: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} يدلُّ على ربوبيته وتدبيره لجميع خلقه كما يشاء، وقوله تعالى: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (٢) يدلُّ على توحيد الأسماء والصفات، وقوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (٣) يدلُّ على الربوبية المطلقة (٤).

وقوله تعالى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} (٥)، قال الشيخ السعدي: "اشتملت الآية على أصول عظيمة على توحيد الربوبية وأنه تعالى ربُّ كلِّ شيء وخالقه ورازقه ومدبِّره، وعلى توحيد الألوهية والعبادة وأنَّه تعالى الإله المعبود، وعلى أنَّ ربوبيته موجب لعبادته وتوحيده؛ ولهذا أتى بالفاء في قوله: " {فَاعْبُدْهُ} الدالة على السبب؛ أي فكما أنَّه ربُّ كلِّ شيءٍ فليكن هو المعبود حقًّا فاعبده، ومنه الاصطبار لعبادته تعالى وهو جهاد النفس، وتمرينها وحملها على عبادة الله تعالى فيدخل في هذا أعلى أنواع الصبر، وهو الصبر على البليَّات، فإنَّ الصبر عليها وعدم تسخيطها والرضى عن الله تعالى بها من أعظم العبادات الداخلة في قول الله تعالى: {وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}، واشتملت الآية على أنَّ الله تعالى كاملٌ في الأسماء والصفات عظيم النعوت جليل القدر، وليس في ذلك شبيهٌ ولا نظيرٌ ولا سمي، بل تفرَّد بالكمال المطلق من جميع الوجوه والاعتبارات" (٦).


(١) سورة الفاتحة: ٢.
(٢) سورة الفاتحة: ٣.
(٣) سورة الفاتحة: ٤.
(٤) ينظر: مدارج السالكين ١/ ٨٤، وحقيقة التوحيد بين أهل السُّنَّة والمتكلمين، ص ٨٤.
(٥) سورة مريم: ٦٥.
(٦) المواهب الربانية من الآيات القرآنية ١/ ٦٠.

<<  <   >  >>