للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك من العلماء المحدثين الذي جاء عنهم تقسيم التوحيد وفق فهم سلف الأُمَّة هو ابن حِبَّان البستي (١)، ظهر ذلك في مقدمة كتابه (نزهة الفضلاء وروضة العقلاء) إذ يقول فيه: "الحمد لله المتفرِّد بوحدانية الألوهية، المتعزِّز بعظمة الربوبية، القائم على نفوس العالم بآجالها، والعالم بتقلبها وأحوالها، المانّ عليهم بتواتر آلائه، المتفضِّل عليهم بسوابغ نعمائه، الذي أنشأ الخلق حين أراد بلا معينٍ ولا مشير، وخلق البشر كما أراد بلا شبيهٍ ولا نظير، فمضت فيهم بقدرته مشيئته، ونفذت فيهم بعزَّته إرادته، فألهمهم حسن الإطلاق، وركَّب فيهم تشعُّب الأخلاق، فهم على طبقات أقدارهم يمشون، وعلى تشعُّب أخلاقهم يدورون، وفيما قضى وقدَّر عليهم يهيمون ... إلى أن قال: وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر السموات العلا ومنشئ الأرضين والثرى، لا معقِّب لحكمه ولا راد لقضائه" (٢).

ويذكر هذا التقسيم ابن أبي زيد القيرواني (٣)، حيث قال: "من ذلك الإيمان والنطق باللسان أنَّ الله واحد لا إله غيره، ولا شبيه له، ولا نظير له، ولا ولد له، ولا والد له، ولا صاحبة له، ولا شريك له، ليس لأوَّليَّته ابتداء، ولا لآخرِيَّته انقضاء، لا يبلغ كُنه صفته الواصفون، ولا يحيطون بأمره المتفكرون بآياته، ولا يتفكرون في مائية ذاته (٤) إلى


(١) أبو حاتم، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن معبد التميمي الدارمي البستي، نسبةً إلى بُست ضمن أفغانستان، من مؤلفاته: علل أوهام المؤرخين، علل مناقب الزهري، الهداية إلى علم السنن، توفي سنة ٣٥٤ هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء ١٦/ ٩٢.
(٢) نزهة الفضلاء وروضة العقلاء، ص ١٧.
(٣) عالم أهل المغرب، أبو محمد، عبد الله ابن أبي زيد القيرواني المالكي، ولد سنة ٣١٠ هـ بالقيروان، يقال له مالك الصغير، قال عنه القاضي عياض: حاز رئاسة الدين والدنيا، من مؤلفاته: النوادر والزيادات، المدونة، كتاب الاقتداء بمذهب مالك، رسالته في الرَّد على القدرية، توفي سنة ٣٨٦ هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء ١٧/ ١٠ - ١١، والفهرست، ص ٢٣٥.
(٤) مائية ذاته: أي حقيقة ذاته، والمائية لا تكون إلا لذي الجنس والنوع وماله مثل، اللهم إلا أن يريد بذكر المائية ضربًا من المجاز والاتساع، فإذا سأل سائل بلفظها فقال: أخبروني عن الباري ما هو؟ قسمنا عليه بما يحتمل سؤاله. ينظر: شرح عقيدة ابن أبي زيد القيرواني في كتابه الرسالة، للقاضي عبد الوهاب بن نصر البغدادي المالكي، ص ١٦٥.

<<  <   >  >>