فإن أراد بإسقاط الحدث: أنه يعتقد نفي حدوث شيء، فهذا مكابرة للحس والشهود، وإن أراد إسقاط الحدث من قلبه، فلا يشهد حادثًا ومحدثًا -وهذا مراده- فهذا خلاف ما أمر الله ورسوله به، وخلاف الحق، فإنَّ العبد مأمور أن يشهد: أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، ويشهد أنَّ الجنة حق، والنار حق، والساعة حق، والنبيين حق، ويشهد حدوث المحدثات بإحداث الرَّبِّ تعالى لها بمشيئته وقدرته، وبما خلقه من الأسباب، ولما خلقه من الحكم، ولم يأمر العبد -بل لم يرد منه- أن لا يشهد حادثًا ولا حدوث شيء، وهذا لا كمال فيه، ولا معرفة، فضلًا عن أن يكون غاية العارف، وأن يكون توحيد الخاصَّة، والقرآن -من أوله إلى آخره- صريحٌ في خلافه، فإنَّه أمر بشهود الحادثات والكائنات، والنظر فيها، والاعتبار بها، والاستدلال بها على وحدانية الله سبحانه، وعلى أسمائه وصفاته، فأعرف الناس به، وبأسمائه وصفاته أعظمهم شهودًا لها، ونظرًا فيها، واعتبارًا بها، فكيف يكون لبُّ التوحيد وقلبه وسرُّه: إسقاطها من الشهود" (١).
وبهذا يتضح لكلِّ من كان له قلب أو ألقى السَّمع وهو شهيد البون الشاسع بين أدلة السلف الواضحة والموافقة للوحيين وأدلة المتكلِّمين، وهذا الذي أكَّده ابن القيم حين قال: "وكثيرًا ما يكون الدليل الذي عرف به الحق أصح من كثير من أدلة المتكلِّمين ومقدماتها، وأبعد عن الشبه، وأقرب تحصيلًا للمقصود، وإيصالًا إلى المدلول عليه، بل من استقرأ أحوال الناس رأى أنَّ كثيرًا من أهل الإسلام -أو أكثرهم- أعظم توحيدًا، وأكثر معرفةً، وأرسخ إيمانًا من أكثر المتكلِّمين وأرباب النظر والجدال، ويجد عندهم من أنواع الأدلة والآيات التي يصحُّ بها إيمانهم ما هو أظهر