للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه الشواهد الكونية دلالة على الكمال الإلهي لله - عز وجل - قال ابن القيم: "يصحُّ بالشواهد أي: بالأدلة والآيات والبراهين، وهذا مما يدلُّ على كماله وشرفه، أن قامت عليه الأدلة ونادت عليه الشواهد وأوضحته الآيات والبراهين، وما عداه فدعاوى مجرَّدة لا يقوم عليها دليلٌ ولا تصحُّ بشاهد، فكلُّ توحيدٍ لا يصحُّ بشاهد فليس بتوحيد، فلا يجوز أن يكون توحيدًا أكمل من التوحيد الذي يصح بالشواهد والآيات، وتوحيد القرآن من أوله إلى آخره كذلك" (١).

وبهذه الدلائل يعرف الله - سبحانه وتعالى -، والرُّسُل عليهم السلام أخبروا عن الله - عز وجل - بكلامه، قال ابن القيم: "وأمَّا آياته العيانية الخلقية، والنظر فيها والاستدلال بها: فإنَّها تدلُّ على ما تدلُّ عليه آياته القولية السمعية، وآيات الرَّب: هي دلائله وبراهينه التي بها يعرفه العباد، وبها يعرفون أسماءه وصفاته، وتوحيده، وأمره ونهيه، فالرُّسل تخبر عنه بكلامه الذي تكلَّم به، وهو آياته القولية، ويستدلُّون على ذلك بمفعولاته التي تشهد على صحة ذلك، وهي آياته العيانية، والعقل يجمع بين هذه وهذه، فيجزم بصحة ما جاءت به الرُّسل، فتتفق شهادة السَّمع والبصر والعقل والفطرة" (٢).

وشبهته التي بثَّها في قوله العارف لا يحتاج إلى دليل يستدل به على الله - عز وجل - بل الله أغناه عن الدليل، مقلوبة عليه ودحضها ابن القيم بقوله: "قوله (٣): (ويسلك سبيل إسقاط الحدث) يريد أنه في هذا الشهود، وهذه الملاحظة المذكورة: سالكٌ سبيل الذين شهدوا عين الأزل، فنفى عنهم شهود الحدث، وذلك بالفناء في حضرة الجمع، فإنها هي التي يفنى فيها من لم يكن، ويبقى فيها من لم يزل.


(١) مدارج السالكين ٣/ ٥٠٦ - ٥٠٧.
(٢) المرجع نفسه ٣/ ٤٨٣.
(٣) يقصد صاحب منازل السائرين.

<<  <   >  >>