للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رابعًا: دلالة العقل

أما ثبوتها بالعقل فمن وجوه:

أحدهما: العلم البديهي القاطع بأنَّ كلَّ موجودين إمَّا أن يكون أحدهما ساريًا في الآخر قائمًا به كالصفات، وإما أن يكون قائمًا بنفسه بائنًا من الآخر.

الثاني: أنَّه لما خلق العالم فإمَّا أن يكون خلقه في ذاته أو خارجًا عن ذاته، والأول باطل، أمَّا أولًا فبالاتفاق، وأمَّا ثانيًا؛ فلأنَّه يلزم أن يكون محلًّا للخسائس والقاذورات, تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.

والثاني: يقتضي كون العالم واقعًا خارج ذاته، فيكون منفصلًا، فتعيَّنت المباينة؛ لأنَّ القول بأنَّه غير متصل بالعالم، وغير منفصل عنه غير معقول.

والثالث: أنَّ كونه تعالى لا داخل العالم ولا خارجه يقتضي نفي وجوده بالكليَّة؛ لأنَّه غير معقول، فيكون موجودًا إمَّا داخله وإمَّا خارجه، والأول باطل، فتعيَّن الثاني فلزمت المباينة (١).

وذكر ابن تيمية - رحمه الله - قريبًا من هذا القول فقال: "قاعدة عظيمة في إثبات عُلوّه تعالى: وهو واجبٌ بالعقل الصريح، والفطرة الإنسانية الصحيحة، وهو أن يقال: كان اللَّه ولا شيءَ معه ثم خلق العالم، فلا يخلو: إما أن يكون خلقه في نفسه وانفصل عنه، وهذا محال، تعالى اللَّه عن مماسَّة الأقذار وغيرها، وإما أن يكون خلقه خارجًا عنه ثم دخل فيه، وهذا محالٌ أيضًا، تعالى أن يحلَّ في خلقه -وهاتان لا نزاع فيهما بين أحدٍ من المسلمين- وإمَّا أن يكون خلقه خارجًا عن نفسه الكريمة ولم يحلّ فيه، فهذا هو الحقُّ الذي لا يجوز غيره، ولا يليق باللَّه إلا هو، وهذه القاعدة للإمام أحمد من حججه على الجهمية في زمن المحنة" (٢).


(١) ينظر: شرح الطحاوية ص ٢٦٩ - ٢٧٠.
(٢) مجموع الفتاوى ٥/. ١٥٢، ينظر: الرَّد على الزنادقة والجهمية، ص ٥٠ - ٥١.

<<  <   >  >>