للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنهم من فسَّر الاستواء بالملك، والمراد: أنَّ الملك ما استوى لأحدٍ غيره (١)، وبهذا خالفوا صحيح المنقول، وصريح المعقول، ولم يسيروا وفق مذهب السَّلف؛ لأنهم -زعموا- أنَّ إثبات الاستواء يلزم منه الجهة والتحيُّز.

وهذه الألفاظ مجملة تحتمل حقًّا وباطلًا، ولم يرد في نفيها ولا إثباتها كتابٌ ولا سُنَّة، فمن نفى الجهة ومراده بذلك أنَّ الله - عز وجل - ليس مباينًا للعالم، وليس فوقه، ولا تجوز الإشارة إليه، فهذا المعنى باطلٌ غير صحيح، ومن نفاها مريدًا أنَّ المخلوقات لا تحيط به ولا تحصره، فهذا جمعٌ بين حقٍّ وباطل فالمعنى حق، واللَّفْظ المصرَّح به باطل؛ لإيهامه المعنى الأول.

وأمَّا قولهم: لو كان في جهة لكان محتاجًا لهذا الحيِّز، فيجاب عنه بأنَّنا لا نُسلِّم أنَّ كلَّ ما يُسمَّي حيِّزًا وجهة فهو أمرٌ وجودي، بل قد يُقال إنَّ المُسمَّى بالجهة والحيِّز منه ما يكون وجوديًّا وهو الأمكنة الوجودية مثل داخل العالم فإنَّ الشمس والقمر والأفلاك والأرض والحجر والشجر ونحو هذه الأشياء كلها في أحياز وجوديَّة، أمَّا ما وراء العالم، فهو ليس في حيِّزٍ أو جهة وجوديَّة لكي يصح ما زعمتموه (٢).

وأمَّا قولهم: لو كان مستويًا على العرش لكان محتاجًا إليه، محمولًا به، فيُجاب عنه أنَّه يصحُّ هذا المعنى لو أُثبت لله - عز وجل - استواءً كاستواء المخلوقين، أمَّا إذا كان استواء الله - عز وجل - استواءً يليق بجلاله غير مماثل لاستواء خلقه، فلا يصح هذا الإلزام.


(١) رأي عبد القاهر البغدادي، في كتاب أصول الدين، ص ١١٣ - ١١٤.
(٢) ينظر: مجموع الفتاوى ١٧/ ٣٢٦، ٥/ ٢٦٢، تلبيس الجهمية ٢/ ١١٥، التدمرية ٦٥ - ٦٧.

<<  <   >  >>