للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن تيمية - رحمه الله -: "فيظنُّ المتوهِّم أنَّه إذا وُصف بالاستواء على العرش كان استواؤه كاستواء الإنسان على ظهور الفُلْك والأنعام، كقوله: {وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} (١)، فيتخيَّل أنَّه إذا كان مستويًا على العرش كان محتاجًا إليه كحاجة المستوي على الفُلْك والأنعام، فلو انخرقت السفينة لسقط المستوي عليها ... فقياس هذا أنَّه لو عُدم العرش لسقط الرَّبُّ تبارك وتعالى، ثم يريد -بزعمه- أن ينفي هذا فيقول: ليس استواؤه بقعودٍ ولا استقرار، وكان هذا الخطأ من خطئه في مفهوم استوائه على العرش، حيث ظنَّ أنَّه مثل استواء الإنسان على ظهور الأنعام والفُلْك.

وليس في اللَّفْظ ما يدلُّ على ذلك؛ لأنَّه أضاف الاستواء إلى نفسه الكريمة، كما أضاف إليها سائر أفعاله وصفاته ... فلم يذكر استواءً مطلقًا يصلح للمخلوق ولا عامًّا يتناول المخلوق، كما لم يذكر مثل ذلك في سائر صفاته، وإنما ذكر استواءً أضافه إلى نفسه الكريمة" (٢).

ولم يأتِ نصٌّ واحدٌ من الوحيين يدلُّ على أنَّ معنى (استوى) (استولى).

يقول ابن القيم: "إنَّ هذا اللَّفْظ- استوى- قد اطرد في القرآن والسُّنَّة حيث ورد بلفظ الاستواء دون الاستيلاء، ولو كان معناه استولى لكان استعماله في أكثر مورده كذلك، فإذا جاء موضعٌ أو موضعان بلفظ استوى حمل على معنى استولى؛ لأنه المألوف المعهود، وأمَّا أن يأتي إلى لفظٍ قد اطرد استعماله في جميع موارده على معنى واحد، فيدعي صرفه في الجميع إلى معنى لم يعهد استعماله فيه ففي غاية الفساد، ولم يقصده ويفعله من قصد البيان، هذا لو لم يكن في السياق ما يأتي حمله


(١) سورة الزخرف: ١٢ - ١٣.
(٢) شرح الرسالة التدمرية ١/ ٢٥٤.

<<  <   >  >>