للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قربه من عابديه ففي مثل قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} (١).

وقول النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث القدسي: «من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبُّ إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه ... » (٢)، وقال: «إذا تقرَّب العبد منِّي شبرًا تقرَّبت منه ذراعًا» (٣) فهذا قربه إلى عبده وقرب عبده إليه، ودنوه عشية عرفة إلى السَّماء الدنيا لا يخرج عن القسمين، ... فدنوه لدعائهم، وأمَّا نزوله إلى سماء الدنيا كلَّ ليلة فإن كان لمن يدعوه ويسأله ويستغفره فإنَّ ذلك الوقت يحصل فيه من قرب الرَّبِّ إلى عابديه ما لا يحصل في غيره" (٤).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "وهذه الزيادة تكون على الوجه المتفق عليه، بزيادة تقريبه للعبد إليه جزاء على تقرُّبه باختياره، فكلَّما تقرَّب العبد باختياره قَدْر شبر زاده الرَّبُّ قُربًا إليه حتى يكون كالمتقرِّب بذراع، فكذلك قرب الرَّبِّ من قلب العابد، وهو ما يحصل في قلب العبد من معرفة الرَّبِّ والإيمان به، وهو المثل الأعلى، وهذا أيضًا لا نزاع فيه، وذلك أنَّ العبد يصير مُحبًّا لما أحبَّ الرَّبُّ، مبغضًا لما أبغض، مواليًا لمن يوالي، معاديًا لمن يعادي، فيتحد مراده مع المراد المأمور به الذي يحبه الله ويرضاه" (٥).


(١) سورة الإسراء: ٥٧.
(٢) أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع، ٤/ ١٩٢، رقم ٦٥٠٢.
(٣) أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - وروايته عن ربه, ٩/ ١٥٧، رقم ٧٥٣٧.
(٤) مجموع الفتاوى ٥/ ٢٤٧.
(٥) شرح حديث النزول، ص ١٣٣ - ١٣٤.

<<  <   >  >>