للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وغضبه وكراهته فيجعل ذلك مجازًا ويفسره إمَّا بالإرادة وإمَّا ببعض المخلوقات من النعم والعقوبات فيقال له: لا فرق بين ما نفيته وبين ما أثبته بل القول في أحدهما كالقول في الآخر؛ فإن قلتَ: إنَّ إرادته مثل إرادة المخلوقين فكذلك محبته ورضاه وغضبه وهذا هو التمثيل، وإن قلتَ: إنَّ له إرادة تليق به، كما أنَّ للمخلوق إرادة تليق به قيل لك: وكذلك له محبَّة تليق به وللمخلوق محبَّة تليق به وله رضًا وغضبٌ يليق به وللمخلوق رضًا وغضبٌ يليق به وإن قلتَ: الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام فيقال له: والإرادة ميل النَّفس إلى جلب منفعة أو دفع مضرَّة، فإن قلتَ: هذه إرادة المخلوق، قيل لك: وهذا غضبُ المخلوق، وكذلك يلزم القول في كلامه وسمعه وبصره وعلمه وقدرته، إن نفي عنه الغضب والمحبة والرضا ونحو ذلك مما هو من خصائص المخلوقين، فهذا منتف عن السَّمع والبصر والكلام وجميع الصفات، وإن قال: إنَّه لا حقيقة لهذا إلا ما يختصُّ بالمخلوقين، فيجب نفيه عنه، قيل له: وهكذا السَّمع والبصر والكلام والعلم والقدرة" (١).

وعلى هذا يجب إثبات صفة الغضب لله - عز وجل - كما أثبتها لنفسه في كتابه.

قال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (٢).

وكما أثبتها له نبيُّنا محمَّد - صلى الله عليه وسلم - في سنَّته، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الله إذا أحبَّ عبدًا دعا جبريل فقال: إنِّي أحبُّ فلانًا فأحبّه، قال: فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول: إنَّ الله يحبُّ فلانًا فأحبوه فيحبه أهل


(١) التدمرية, ص ٣٢، وينظر: شرح الطحاوية ٢/ ٦٨٦.
(٢) سورة النساء: ٩٣.

<<  <   >  >>