للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن أردت بهذه الألفاظ أنه لا يتميز منه شيء، فهذا باطلٌ بالضرورة، وباطلٌ باتفاق العقلاء.

وحاصل القول: الكلام في وصف الله بالجسم نفيًا، وإثباتًا بدعة لم يقل أحدٌ من سلف الأُمَّة وأئمتها إنَّ الله ليس بجسم، ولم يقولوا إنَّ الله جسم، بل من أطلق أحد اللفظين استُفصل عمَّا أراد بذلك فإنَّ في لفظ الجسم بين الناطقين به نزاعًا كثيرًا" (١).

وقال في موضع آخر: "وهذا الكلام المتشابه الذي يخدعون به جهال الناس، هو الذي يتضمَّن الألفاظ المتشابهة المجملة التي يعارضون بها نصوص الكتاب والسُّنَّة، وتلك الألفاظ تكون موجودة مستعملة في الكتاب والسُّنَّة وكلام الناس، لكن بمعان أُخَر غير المعاني التي قصدوها هم بها، فيقصدون هم بها معاني أُخَر، فيحصل الاشتباه والإجمال، كلفظ العقل والعاقل والمعقول، فإنَّ لفظ العقل في لغة المسلمين إنما يدلُّ علي عرض، إمَّا مُسمَّي مصدر عقل يعقل عقلًا، وإمَّا قوة يكون بها العقل، وهي الغريزة، وهم يريدون بذلك جوهرًا مجرَّدًا قائمًا بنفسه.

وكذلك لفظ المادة والصورة، بل وكذلك لفظ الجوهر والعرض، والجسم، والتحيُّز، والجهة، والتركيب، والجزء، والافتقار، والعلَّة، والمعلول، والعاشق، والعشق، والمعشوق، بل ولفظ الواحد في التوحيد، بل ولفظ الحدوث، والقدم بل ولفظ الواجب والممكن، بل ولفظ الوجود، والذات، وغير ذلك من الألفاظ (٢).

وما تنازع فيه المتأخِّرون ليس لأحدٍ أن يثبته أو ينفيه حتى يستفصل ويعرف المراد منه.


(١) التسعينية، ص ٧٤٤ - ٧٤٥، وينظر: مقالات الإسلاميين، للأشعري ١/ ٢٨١ - ٢٨٣.
(٢) درء تعارض العقل والنقل ١/ ٢٢٢.

<<  <   >  >>