للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد تواطأ أهل العلم المحققون في الرَّد على من فسَّر توحيد الألوهية بالربوبية.

قال ابن تيمية: "الذين يقولون: (التوحيد) هو توحيد الربوبية، و (الإلهية) عندهم هي: القدرة على الاختراع، ولا يعرفون توحيد الإلهية، ولا يعلمون أنَّ الإله هو المألوه المعبود، وأنَّ مُجرَّد الإقرار بأنَّ الله - عز وجل - رَبُّ كل شيءٍ لا يكون توحيدًا حتى يشهد أن لا إله إلا الله كما قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (١)، قال عكرمة (٢): تسألهم من خلق السموات والأرض؟ فيقولون: الله، وهم يعبدون غيره، وهؤلاء يدَّعون التحقيق والفناء في التوحيد ويقولون إنَّ هذا نهاية المعرفة وإنَّ العارف إذا صار في هذا المقام لا يستحسن حسنة ولا يستقبح سيئة لشهوده الربوبية العامة والقيومية الشاملة، وهذا الموضع وقع فيه من الشيوخ الكبار (٣) من شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وهؤلاء غاية توحيدهم هو توحيد المشركين الذين كانوا يعبدون الأصنام ... فإنَّ هؤلاء المشركين كانوا مقرين بأنَّ الله خالق السموات والأرض وخالقهم وبيده ملكوت كل شيء بل كانوا مقرين بالقدر أيضًا فإنَّ العرب كانوا يثبتون القدر في الجاهلية وهو معروف عنهم في النظم والنثر ومع هذا فلما لم يكونوا يعبدون الله وحده لا شريك له بل عبدوا غيره كانوا مشركين شرًّا من اليهود والنصارى، فمن كان غاية توحيده وتحقيقه هو هذا التوحيد كان غاية توحيده توحيد المشركين.

وهذا المقام مقام وأيّ مقام زلَّت فيه أقدام، وضلَّت فيه أفهام، وبُدِّل فيه دين


(١) سورة يوسف: ١٠٦.
(٢) هو أبو عبد الله، عكرمة مولى ابن عباس، أصله بربري، عالم بالتفسير، توفي سنة ١٠٤ هـ، ينظر: وفيات الأعيان ٣/ ٢٥٦.
(٣) شيوخ الضلال من متصوفة، وغيرهم ممن خلط الحق بالباطل.

<<  <   >  >>