للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال في موضعٍ آخر: "وليس لأحدٍ أن يَسنَّ للناس نوعًا من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادةً راتبةً يواظب الناس عليها، كما يواظبون على الصلوات الخمس، بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به، بخلاف ما يدعو به المرء أحيانًا من غير أن يجعله للناس سُنَّة، فهذا إذا لم يعلم أنه يتضمَّن معنى محرَّمًا لم يجز الجزم بتحريمه، لكن قد يكون فيه ذلك والإنسان لا يشعر به، وهذا كما أنَّ الإنسان عند الضرورة يدعو بأدعية تفتح عليه ذلك الوقت فهذا وأمثاله قريب، وأما اتخاذ وردٍ غير شرعيٍّ واستنان ذكرٍ غير شرعي فهذا مما يُنهى عنه، ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة ونهاية المقاصد العليَّة، ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهلٌ أو مفرِّط أو متعد" (١).

وممَّا قرَّره أهل العلم أنَّ من ندب إلى شيءٍ يتقرَّب به إلى الله - عز وجل - أو أوجبه بقوله أو فعله من غير أن يشرعه الله - عز وجل - فقد شرع من الدين مالم يأذن به الله، ومن اتبعه في ذلك فقد اتخذه شريكًا لله شرع له من الدين مالم يأذن به الله (٢)، ويجدر التنبيه على أمرٍ هامٍّ بأنَّ المؤمن ينبغي له أن ينوِّع في الأذكار المشروعة اتباعًا للسُّنَّة، ولزوال الفرقة والاختلاف.

قال ابن تيمية: "التنوع في ذلك متابعة للنبي - صلى الله عليه وسلم - فإنَّ في هذا اتباعًا للسُّنَّة والجماعة، وإحياء لسُنَّته، وجمعًا بين قلوب الأُمَّة، وأخذًا بما في كلِّ واحدٍ من الخاصة، أفضل من المداومة على نوع معيَّنٍ لم يداوم عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - لوجوه:

أحدها: أنَّ هذا هو اتباع السُّنَّة والشريعة فإنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان قد فعل هذا


(١) مجموع الفتاوى ٢٢/ ٥١١.
(٢) ينظر: اقتضاء الصراط المستقيم ٢/ ٨٤.

<<  <   >  >>