للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تارة وهذا تارة ولم يداوم على أحدهما كان موافقته في ذلك هو التأسِّي والاتباع المشروع وهو أن يفعل ما فعل على الوجه الذي فعل لأنَّه فعله.

الثاني: أنَّ ذلك يوجب اجتماع قلوب الأُمَّة وائتلافها وزوال كثرة التفرُّق والاختلاف والأهواء بينها، وهذه مصلحة عظيمة ودفع مفسدة عظيمة ندب الكتاب والسُّنَّة إلى جلب هذه ودرء هذه، قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (١)، وقال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} (٢)، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} (٣).

الثالث: أنَّ ذلك يخرج الجائز المسنون عن أن يشبَّه بالواجب، فإنَّ المداومة على المستحب أو الجائز مشبَّهة بالواجب ولهذا أكثر هؤلاء المداومين على بعض الأنواع الجائزة أو المستحبة لو انتقل عنه لنفر عنه قلبه وقلب غيره أكثر مما ينفر عن ترك كثير من الواجبات؛ لأجل العادة التي جعلت الجائز كالواجب.

الرابع: أنَّ في ذلك تحصيل مصلحة كلِّ واحد من تلك الأنواع؛ فإنَّ كلَّ نوعٍ لا بدَّ له من خاصة وإن كان مرجوحًا فكيف إذا كان مساويًا، وقد قدَّمنا أنَّ المرجوح يكون راجحًا في مواضع.

الخامس: أنَّ في ذلك وضعًا لكثيرٍ من الآصار والأغلال التي وضعها الشيطان على الأُمَّة بلا كتابٍ من الله ولا أثارةٍ من علم؛ فإنَّ مداومة الإنسان على أمر جائز مرجحًا له على غيره ترجيحًا يحب من يوافقه عليه ولا يحب من لم يوافقه


(١) سورة آل عمران: ١٠٣.
(٢) سورة آل عمران: ١٠٥.
(٣) سورة الأنعام: ١٥٩.

<<  <   >  >>