للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كانوا أحق بها وأهلها لو كانت مشروعة على مقتضى القواعد؛ لأنَّ الذكر قد ندب إليه الشرع في مواضع كثيرة حتى إنه لم يطلب في تكثير عبادة من العبادات ما طلب من التكثير من الذكر، بخلاف سائر العبادات كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} (١)، ومثل هذا الدعاء فإنه ذكر الله - عز وجل - ومع ذلك فلم يلتزموا فيه كيفيات ولا قيدوه بأوقات مخصوصة بحيث تشعر باختصاص التعبد بتلك الأوقات إلا ما عيَّنه الدليل كالغداة والعشي، ولا أظهروا منه إلا ما نصَّ الشارع على إظهاره كالذكر في العيدين وشبهه، وما سوى ذلك فكانوا مثابرين على إخفائه وسرِّه، ولذلك قال لهم حين رفعوا اصواتهم: «اربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا» وأشباهه ولم يظهروه في الجماعات.

فكلُّ من خالف هذا الأصل فقد خالف إطلاق الدليل أولًا؛ لأنَّه قيّد فيه بالرأي، وخالف من كان أعرف منه بالشريعة وهم السلف الصالح - رضي الله عنهم -، بل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يترك العمل وهو يحب أن يعمل به خوفًا أن يعمل به الناس فيفرض عليهم" (٢).

والغاية من ترديد الاسم المفرد عند الصوفية ما يلي:

أ الوصول إلى وحدة الوجود

قال ابن عجيبة: "فإن دمت على ذكر الحضور رفعك إلى ذكر مع الغيبة عمَّا سوى المذكور، لما يعمر قلبك من النور، وربما قرب يعظم قرب نور المذكور فيغرق في النور حتى يغيب عمَّا سوى المذكور، حتى يصير الذاكر مذكورًا، والطالب مطلوبًا،


(١) سورة الأحزاب: ٤١.
(٢) الاعتصام ١/ ٢٤٩.

<<  <   >  >>