للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بصوتٍ واحد، ولكن امتثالًا للآية.

عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفرٍ فكنَّا إذا علونا كبَّرنا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أيُّها النَّاس، اربعوا على أنفسكم فإنَّكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا ولكن تدعون سميعًا بصيرًا» (١).

ومن حيث الكيفية فإنَّ الشارع إذا ندب لأمرٍ لا بدَّ أن يؤتى بالكيفية التي شرعها، ولا يزاد عليها ولا ينقص، قال الشاطبي: "إنَّ الدليل الشرعي إذا اقتضى أمرًا في الجملة مما يتعلَّق بالعبادات مثلًا، فأتى المكلَّف في ذلك الأمر بكيفية مخصوصة، أو زمان مخصوص أو مكان مخصوص، أو مقارنًا لعبادة مخصوصة والتزم ذلك بحيث صار متخيلًا أنَّ الكيفية أو الزمان أو المكان مقصود شرعًا من غير أن يدلَّ الدليل عليه، كان الدليل بمعزلٍ عن ذلك المعنى المستدل عليه.

فإذا ندب الشرع إلى ذكر الله، فالتزم قومٌ الاجتماع عليه على لسانٍ واحدٍ وبصوتٍ واحد، أو في وقتٍ معلومٍ مخصوصٍ عن سائر الأوقات، لم يكن في ندب الشرع ما يدلُّ على هذا التخصيص الملتزم، بل فيه ما يدلُّ على خلافه؛ لأن التزام الأمور غير اللازمة شرعًا شأنها أن تُفهم التشريع، وخصوصًا مع من يُقتدى به في مجامع الناس كالمساجد، فإنَّها إذا ظهرت هذا الإظهار ووضعت في المساجد كسائر الشعائر التي وضعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المساجد وما أشبهها كالأذان وصلاة العيدين والاستسقاء والكسوف فُهم منها بلا شكٍّ أنها سُنن، إذا لم تفهم منه الفرضية فأحرى أن لا يتناولها الدليل المستدل به فصارت من هذه الجهة بدعًا محدثةً بذلك.

وعلى ذلك ترك التزام السلف الصالح لتلك الأشياء أو عدم العمل بها وهم


(١) أخرجه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب الدعاء إذا علا عقبة ٨/ ١٠١، قم ٢٩٩٢.

<<  <   >  >>