للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - شعائر التصوف (لبس المرقعة، التلقين، تعليق التسابيح)

قال ابن عجيبة: لما فتح الله علينا في علم الحقيقة أذن لي الشيخ في الخروج إلى تذكير عباد الله وتلقين الأوراد، فتاب الناس وعلَّقوا التسابيح في أعناقهم ثم استأذنت الشيخ في لبس المرقعة (١).

ويقول أيضًا: "ولما لقنني (٢) الورد قلتُ له: أنا بين يديك افعل بي ما شئت، فقال: تبارك الله عليك، ثم التفت إلى بعض أصحابه فقال لهم: سيدي أحمد متصفٌ بالزُّهد والورع والتوكُّل والصبر والحلم والرضى والتسليم والشفقة والرحمة والسخاء ... حتى عد اثني عشر مقامًا فقلت له: يا سيدي هذا هو التصوُّف، فقال: هذا تصوُّف الظاهر وبقي تصوف الباطن ستعرفه إن شاء الله" (٣).

وقال: ثم علَّقتُ السُّبحة الغليظة في عنقي، ولبستُ المرقعة ففرَّ الناس منِّي، وتفرَّغتُ لسلوك الطريق (٤).

وهذه الأقوال التي ذكرها ابن عجيبة تبيِّن أنَّ بعض الصوفية اتخذوا لهم شعائر ما أنزل الله بها من سلطان، ولم تعرف في عهد الصحابة - رضي الله عنهم - ولا التابعين.

يقول ابن تيمية: "قد عُقل بالنَّقل المتواتر أنَّ الصحابة لم يكونوا يُلبسون مريديهم (٥) خرقة، ولا يقصُّون شعورهم، ولا التابعون، ولكن هذا فعله بعض مشايخ المشرق من المتأخرين ... وقد علم كلُّ من له علمٌ بأحوال الصحابة والتابعين أنه لم يكن فيهم أحدٌ يلبس سراويل، ولا يُسْقَى ملحًا، ولا يختصُّ أحدٌ بطريقة تسمى


(١) ينظر الفهرسة، ص ٤٩، ٥٤.
(٢) شيخه البوزيدي، سبقت ترجمته.
(٣) الفهرسة، ص ٤٥، ٥٦، ٨٣.
(٤) الفهرسة، ص ٨٣.
(٥) يعني ابن تيمية بمريديهم أصحابهم أو تلامذتهم من التابعين؛ لأنَّ المريد هو تلميذ الشيخ عند الصوفية.

<<  <   >  >>