للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شبهة من اتخذ السُّبحة شعارًا والرَّد عليه:

قال البناني (١): "إنَّ العقد بالأنامل إنما يتيسر في الأذكار القليلة من (المائة) فَدُوْن، أمَّا أهل الأوراد الكثيرة، والأذكار المتصلة، فلو عدَّوا بأصابعهم لدخلهم الغلط، واستولى عليهم الشغل بالأصابع، وهذه حكمة اتخاذ السُبْحة" (٢).

قال الشيخ بكر أبو زيد - رحمه الله -: "ليس في الشرع المطهَّر أكثر من المائة في عدد الذكر المقيَّد بحال أو زمان أو مكان، وما سوى المقيَّد فهو من الذكر المطلق، والله - سبحانه وتعالى - يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} (٣)، وتوظيف الإِنسان على نفسه ذكرًا مقيَّدًا بعددٍ لم يأمر الله به ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - هو زيادة على المشروع، ونفس المؤمن لا تشبع من الخير، وكثرة الدعاء والذكر، وهذا الأمر المطلق من فضل الله على عباده في حدود ما شرعه الله من الأدعية والأذكار المطلقة، بلا عددٍ معيَّن، كلٌّ حسب طاقته ووُسعِه، وفَرَاغه، وهذا من تيسير الله على عباده، ورحمته بهم.

وانظر لَمَّا ألزم الطرقية أنفسهم بأعدادٍ لا دليل على تحديدها؛ وَلَّدَ لَهُمْ هذا الإِحداث بِدَعًا من اتخاذ السُّبَح، وإلزام أنفسهم بها، واتخاذها شعارًا وتعليقها في الأعناق، واعتقادات متنوعة فيها رغبًا، ورهبًا، والغلو في اتخاذها، حتى ناءت بحملها الأبدان، فَعُلِّقَتْ بالسُّقوف والجدران، وَوُقِّفَت الوقوف على العَادِّين بها، وانْقَسَمَ


(١) هو: أبو بكر، بن محمد بن عبد الله البناني الفاسي الرباطي، متصوف، مولده ووفاته في رباط الفتح، أصله من فاس، له في التصوف أكثر من ستين كتابًا، منها: رسائله المسماة مدارج السلوك إلى ملك الملوك، الغيث المسجم في شرح الحكم العطائية، بلوغ الأمنية في شرح حديث «إنما الأعمال بالنية»، توفي عام ١١٦٣ هـ. ينظر: الأعلام ٢/ ٧٠.
(٢) منحة أهل الفتوحات والأذواق، ص ٩.
(٣) سورة الأحزاب: ٤١.

<<  <   >  >>