للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتأمَّل {مِنْ دُونِهِ} فإنَّه عامٌّ يدخل فيه كلُّ من اعتقد في الأوثان والأصنام والأولياء، فهم لا يملكون شيئًا، لا قليلًا ولا كثيرًا، حتى القطمير الذي هو أحقر الأشياء، وهذا من تنصيص النفي وعمومه، فكيف يُدْعَوْنَ وهم غير مالكين لشيءٍ من ملك السَّماوات والأرض، ومع هذا لا يسمعوكم؛ لأنَّهم ما بين جمادٍ وأمواتٍ وملائكةٍ مشغولين بطاعة ربهم، وعلى فرض أنهم سمعوا لن يستجيبوا، بل يتبرؤون منكم يوم القيامة (١).

فكيف يُدعى ميتٌ لا حراك فيه ولا حس، قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (٢).

قال السَّعدي: "يخبر تعالى أنَّه المتفرِّد بالتصرُّف بالعباد، في حال يقظتهم ونومهم، وفي حال حياتهم وموتهم" (٣).

وقال ابن القيم: "ومن المحال أن يكون دعاء الموتى، أو الدعاء بهم، أو الدعاء عندهم، مشروعًا وعملًا صالحًا، ويُصرف عنه القرون الثلاثة المفضَّلة بنصِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم يُرزقه الخلوف الذين يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فهذه سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أهل القبور بضعًا وعشرين سنة، ... هل يمكن بشر على وجه الأرض أن يأتي عن أحد منهم بنقل صحيح، أو حسن، أو ضعيف، أو منقطع: أنهم كانوا إذا كان لهم حاجة قصدوا القبور فدعوا عندها، وتمسَّحوا بها، فضلًا أن


(١) ينظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنَّان ١/ ٦٨٦.
(٢) سورة الزمر: ٤٢.
(٣) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنَّان ١/ ٧٢٥.

<<  <   >  >>