للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولعمر الله، من هذا الباب بعينه دخل على عبَّاد يغوث ويعوق ونسر، ومنه دخل على عُبَّاد الأصنام منذ كانوا إلى يوم القيامة.

فجمع المشركون بين الغلو فيهم والطعن في طريقتهم، وهدى الله أهل التوحيد لسلوك طريقتهم، وإنزالهم التي أنزلهم الله إيَّاها من العبودية وسلب خصائص الإلهية عنهم، وهذا غاية تعظيمهم وطاعتهم.

فأمَّا المشركون فعصوا أمرهم، وتنقصوهم في صورة التعظيم لهم، وكل من شمَّ أدنى رائحة من العلم والفقه يعلم أنَّ من أهمِّ الأمور سد الذريعة إلى هذا المحظور، وأنَّ صاحب الشرع أعلم بعاقبة ما نهى عنه لما يؤول إليه، وأحكم في نهيه عنه وتوعده عليه، وأنَّ الخير والهدى في اتباعه وطاعته، والشر والضلال في معصيته ومخالفته، ورأيت لأبى الوفاء بن عقيل في ذلك فصلًا حسنًا، فذكرته بلفظه، قال: "لما صعبت التكاليف على الجُهَّال والطغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم، إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم، قال: وهم عندي كُفَّارٌ بهذه الأوضاع، مثل تعظيم القبور وإكرامها، بما نهى عنه الشرع، من إيقاد النيران وتقبيلها وتخليقها، وخطاب الموتى بالحوائج، وكتب الرقاع فيها، يا مولاي افعل بي كذا وكذا، وأخذ تربتها تبرُّكًا، وإفاضة الطيب على القبور، وشدّ الرحال إليها، وإلقاء الخرق على الشجر، اقتداءً بمن عبد اللات والعُزَّى ... ومن جمع بين سنة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في القبور، وما أمر به ونهى عنه، وما كان عليه أصحابه - رضي الله عنهم -، وبين ما عليه أكثر الناس اليوم رأى أحدهما مضادًا للآخر، مناقضًا له، بحيث لا يجتمعان أبدًا" (١).


(١) إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان ١/ ١٩٥.

<<  <   >  >>