للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أيضًا: "ولكن الشياطين قد تعينهم وتتصوَّر لهم في صور الآدميين فيرونهم بأعينهم ويقول أحدهم: أنا إبراهيم أنا المسيح أنا محمَّد أنا الخضر أنا أبو بكر أنا عمر أنا عثمان أنا عليٌّ أنا الشيخ فلان، وقد يقول بعضهم عن بعض: هذا هو النبي فلان أو هذا هو الخضر ويكون أولئك كلهم جنًّا يشهد بعضهم لبعض، والجن كالإنس فمنهم الكافر ومنهم الفاسق ومنهم العاصي وفيهم العابد الجاهل فمنهم من يحب شيخًا فيتزيَّا في صورته ويقول: أنا فلان، ويكون ذلك في بريَّة ومكان قفر فيطعم ذلك الشخص طعامًا ويسقيه شرابًا أو يدلُّه على الطريق أو يخبره ببعض الأمور الواقعة الغائبة فيظن ذلك الرَّجُلُ أنَّ نفس الشيخ الميت أو الحي فعل ذلك وقد يقول: هذا سرُّ الشيخ وهذه رقيقته وهذه حقيقته أو هذا ملك جاء على صورته، وإنما يكون ذلك جنيًّا؛ فإنَّ الملائكة لا تعين على الشِّرك والإفك والإثم والعدوان" (١).

قال ابن القيم: "ومن أعظم مكايده التي كاد بها أكثر الناس، وما نجا منها إلا من لم يرد الله تعالى فتنته: ما أوحاه قديمًا وحديثًا إلى حزبه وأوليائه من الفتنة بالقبور، حتى آل الأمر فيها إلى أن عُبد أربابها من دون الله، وعُبدت قبورهم، واتخذت أوثانًا، وبُنيت عليها الهياكل، وصُوِّرت صور أربابها فيها، ثم جُعلت تلك الصور أجسادًا لها ظل، ثم جُعلت أصنامًا، وعُبدت مع الله تعالى، وكان أول هذا الداء العظيم في قوم نوح، كما أخبر الله - عز وجل - عنهم في كتابه، حيث يقول: {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا} (٢)، ... وغرَّهم الشيطان، فقال: بل هذا تعظيمٌ لقبور المشايخ والصالحين، وكُلَّما كنتم أشدَّ لها تعظيمًا، وأشدَّ فيهم غلوًّا، كنتم بقربهم أسعد، ومن أعدائهم أبعد.


(١) مجموع الفتاوى ١/ ١٥٧ - ١٥٨.
(٢) سورة نوح: ٢١.

<<  <   >  >>