وعملهم هذا من الدين الذي لم يشرعه الله ولا ابتعث به رسولًا ولا أنزل به كتابًا، وليس هو واجبًا ولا مستحبًّا باتفاق المسلمين، ولا فعله أحدٌ من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا أمر به إمامٌ من أئمَّة المسلمين وإن كان ذلك مما يفعله كثيرٌ من الناس ممَّن له عبادة وزهد ويذكرون فيه حكايات ومنامات، فهذا كلُّه من الشَّيطان، وفيهم من ينظم القصائد في دعاء الميت والاستشفاع به والاستغاثة أو يذكر ذلك في ضمن مديح الأنبياء والصالحين، فهذا كلُّه ليس بمشروع ولا واجب ولا مستحب باتفاق أئمَّة المسلمين، ومن تعبَّد بعبادةٍ ليست واجبة ولا مستحبة وهو يعتقدها واجبةً أو مستحبةً فهو ضالٌّ مبتدعٌ بدعةً سيئةً لا بدعةً حسنةً باتفاق أئمة الدين، فإنَّ الله لا يُعبد إلا بما هو واجبٌ أو مستحب، وكثير من الناس يذكرون في هذه الأنواع من الشرك منافع ومصالح ويحتجون عليها بحججٍ من جهة الرأي أو الذوق، أو من جهة التقليد والمنامات ونحو ذلك، ... ولا ريب أنَّ الأوثان يحصل عندها من الشياطين وخطابهم وتصرفهم ما هو من أسباب ضلال بني آدم، وجعل القبور أوثانًا هو أول الشرك، ولهذا يحصل عند القبور لبعض الناس من خطاب يسمعه وشخص يراه وتصرف عجيب ما يظن أنه من الميت وقد يكون من الجن والشياطين، مثل أن يرى القبر قد انشق وخرج منه الميت وكلَّمه وعانقه، وهذا يُرى عند قبور الأنبياء وغيرهم، وإنما هو شيطانٌ فإنَّ الشيطان يتصوَّر بصور الإنس ويدعي أحدهم أنَّه النبي فلان أو الشيخ فلان ويكون كاذبًا في ذلك، وفي هذا الباب من الوقائع ما يضيق هذا الموضع عن ذكره وهي كثيرة جدًّا، والجاهل يظنُّ أنَّ ذلك الذي رآه قد خرج من القبر وعانقه أو كلَّمه هو المقبور أو النبي أو الصالح وغيرهما والمؤمن العظيم يعلم أنه شيطان" (١).