للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من لم يفهم حقيقة، وإمَّا أن ينكروه إنكارًا مجملًا من غير معرفة بحقيقته ونحو ذلك، وهذا حال أكثر الخلق معهم، وأئمتهم إذا رأوا من لم يفهم حقيقة قولهم طمعوا فيه وقالوا: هذا من علماء الرُّسوم وأهل الظاهر وأهل القشر، وقالوا: علمنا هذا لا يُعرف إلا بالكشف والمشاهدة وهذا يحتاج إلى شروط، وقالوا: ليس هذا عشّك فادرج عنه ونحو ذلك مما فيه تعظيم له وتشويق إليه وتجهيل لمن لم يصل إليه، وإن رأوه عارفًا بقولهم نسبوه إلى أنه منهم وقالوا: هو من كبار العارفين، وإذا أظهر الإنكار عليهم والتكفير قالوا: هذا قام بوصف الإنكار لتكميل المراتب والمجالي، وهكذا يقولون في الأنبياء ونهيهم عن عبادة الأصنام، وهذا كله وأمثاله مما رأيته وسمعته منهم، فضلالهم عظيم وإفكهم كبير وتلبيسهم شديد، والله تعالى يظهر ما أرسل به رسوله من الهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا، والله أعلم" (١).

وغاية ما يريد الصوفية أن يصلوا إليه بهذه الخمرة الأزلية هي الاتحاد بالله، "وأن تصير ذات المحبوب عين ذات المحب، وذات المحب عين ذات المحبوب" (٢).

قال الدباغ (٣): "واعلم أنَّ المحب مالم يصل إلى مقام الاتحاد لا تنقطع الحجب التي بينه وبين محبوبه، فإنها كثيرة لكن بعضها ألطف وأشد نورانية من بعض، وكلما كشفت له منها حجاب تاقت النفس إلى كشف ما بعده حتى تزول جميعها عند الاتحاد" (٤).


(١) مجموع الفتاوى ٢/ ٣٧٨ - ٣٨٠.
(٢) الفتوحات المكية ٢/ ٣٢٩.
(٣) هو عبد الرحمن بن محمد بن علي الأنصاري، صوفيٌّ من أهل القيروان، ولد سنة ٦٠٥ هـ، وتوفي سنة ٦٦٩ هـ. ينظر: الحلل السندسية ١/ ٢٤٩ - ٢٥٦.
(٤) مشارق أنوار القلوب، ص ٦٨.

<<  <   >  >>